Powered By Blogger

الخميس، 7 أكتوبر 2010

ورقات في الإجماع الأصولي

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي نهى عن مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوعد عليها، وأمر باتباع سبيل المؤمنين وحذر من خالفته فقال:﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ والصلاة والسلام على النبي المصطفى الذي أمر في غير ما حديث بلزوم الجماعة، ونفر وحذر من الشذوذ عنها ومفارقتها، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... وبعد فإن الإجماع من المسائل التي تناولها علماؤنا قديما وحديثا بالدراسة والشرح والتفصيل، وذلك لما له من أهمية في سلم الأدلة الشرعية، فهو ثالث مصدر للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله تعالى، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ومنهما استمداده، وإليهما امتداده، وموضوع كهذا لا تخفى الفائدة من مراجعته ومحاولة قراءته قراءة متأنية من مصادره الأولى، للخروج من ذلك بخلاصة خالصة من المجادلات المنطقية والكلامية التي نجدها في كثير من تراثنا الأصولي، نستطيع من خلالها تكوين تصور عام ومركز في الوقت نفسه عن مسائل هذا الموضوع المهم، ومن هنا جاءت هذه القراءة، أو هذا العرض الذي أقدمه أمام أستاذنا الفاضل عبد الله ولد اسلم – حفظه الله – منتظرا التوجيه والإرشاد، وبين يديكم أيها الإخوة الزملاء، لتأخذوا سمينه وتتركوا غثه، وتسددوا وتقربوا، وما كان في هذا من صواب فمن توفيق الله، وما كان غير ذلك فأستغفر الله وأتوب إليه، فالعهدة علي وحدي. ونظرا للظرف الزمني لهذا العرض فقد حاولت التركيز على النقاط الأساسية والمهمة في الموضوع مع العلم بتشعبه، وتفرقه في شتى المصادر والمراجع الأصولية، فكانت النقاط التي تناولتها ما يلي: المطلب الأول: تعريف الإجماع، لغة واصطلاحا المطلب الثاني : مكانته وحجيته المطلب الثالث: أنواع الإجماع المطلب الرابع: شروط انعقاد الإجماع المطلب الخامس: الحكمة من الإجماع وفوائده ثم تتطرقت لبعض المسائل المتعلقة بالإجماع، كمسألة تطرق النسخ له، وإمكان الاطلاع عليه، وقضية المجامع الفقهية، وهيآت الافتاء في الدول الإسلامية. وأثبت أخيرا أهم المصادر التي رجعت إليها في جمع مادة هذا العرض فإلى المحاور الأساسية للموضوع. المطلب الأول: تعريف الإجماع: أ‌- الإجماع في الإطلاق اللغوي الإجماع في الإطلاق اللغوي يفيد معان كلها تدور حول معنى العزم والاتفاق، فيطلق ويراد به العزم على الأمر، أو الاتفاق عليه، أو الإعداد له، أو جمعه بعد تفرق . ب‌- الإجماع في الاصطلاح الأصولي: تعددت ألفاظ الأصوليين وعباراتهم في تحديد معنى الإجماع، وبيان المقصود به تبعا لاختلافهم في كثير من مسائل الإجماع، وفيما يلي عرض لبعض تلك التعاريف دون مناقشتها، ولا مراعاة التسلسل الزمني في هذا العرض، وإنما يعقبها الباحث بالتعريف المختار للإجماع، والذي سيركز عليه خلال هذا العرض: - اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة على أمر من الأمور الدينية . - ما اتفق أن جميع الصحابة رضي الله عنهم قالوه ودانوا به عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وليس الإجماع في الدين شيئا غير هذا . - عبارة عن اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور . - اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة . - عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع . التعريف المختار للإجماع: اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان . هذا التعريف يعتبر أجمع وأمنع تعريف للإجماع وقد اعتمده وأخذ به كثير من العلماء قديما وحديثا، ولكي يتضح ذلك سنقوم بتبسيط التعريف كلمة كلمة: قوله: " اتفاق " يشتمل على معنى الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء دلّ عليه الجميع بأقوالهم جميعاً، أم بأفعالهم جميعاً، أم بقول بعضهم وفعل بعض، وهذا كله يسمى بالإجماع الصريح، أم بقول بعض أو فعله مع سكوت بعض آخر، وهذا يسمى بالإجماع السكوتي، وبهذا يكون التعريف شاملاً لقسمي الإجماع: الصريح والسكوتي. قوله: " مجتهدي الأمة" المقصود بالمجتهد هو الذي يبذل وُسعه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحس معه بالعجز عن المزيد عليه. وهذا القيد أخرج غير المجتهدين الذين لم تتوفر فيهم صفات وشروط الاجتهاد، وهم العوام والمقلدون، والأمة هي الطائفة من الناس والمقصود بها هنا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أي أمة الإجابة لا أمة الدعوة ، وقد خرج بهذا القيد اتفاق غير هذه الأمة كاتفاق اليهود والنصارى أو غيرهم من الأمم التي لم تدخل في دين الإسلام، كما تدل عبارة " مجتهدو الأمة" على أن الإجماع يجب أن يكون من جميع المجتهدين وليس من بعضهم مع مخالفة البعض الآخر. قوله: " بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم" يفيد أن الإجماع في حياته - صلى الله عليه وسلم- غير معتبر، كما قال الآمدي:( وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي عليه السلام) . قوله: " في عصر" يفيد إمكان وقوع الإجماع من مجتهدي كل عصر من العصور، ويدفع توهم أن الإجماع لا يقع إلا باتفاق المجتهدين في جميع العصور كما ذهب إلى ذلك جمع من العلماء . قوله: " على أي أمر كان" أي الحكم الذي اتفق عليه المجتهدون، ويشمل: 1- الأمر الديني: كأحكام الصلاة، وتفسير آية أو حديث. 2- الأمر الدنيوي: كترتيب الجيوش والحروب، وتدبير أمور الرعية. 3- الأمر العقلي: كحدوث العالم. 4- الأمر اللغوي: ككون الفاء للترتيب والتعقيب المطلب الثاني: مكانته وحجيته الإجماع يعتبر المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي بعد الكتاب والسنة، وهو حق مقطوع به في دين الله عز وجل، وأصل عظيم من أصول الدين، واستمداده من كتاب الله الكريم، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. وقد وقع اتفاق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم، خلافا للشيعة والخوارج والنظام من المعتزلة، قد احتج أهل الحق في ذلك بالكتاب والسنة والمعقول .. فأما الكتاب فقوله تعالى:﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ النساء الآية 115 ووجه الاحتجاج بالآية أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين، ولو لم يكن ذلك محرما لما توعد عليه، ولما حسن الجمع بينه، وبين المحرم من مشاقة الرسول - عليه السلام- في التوعد، كما لا يحسن التوعد على الجمع بين الكفر وأكل الخبز المباح ، فعلم من الآية وجوب اتباع سبيل المؤمنين ولا شك أن ما اجتمعت الأمة المؤمنة على قبوله أو منعه هو سبيل المؤمنين، وهناك آيات أخرى تفيد حجية الإجماع، والقول فيها مبسوط في محله. وأما دليل الإجماع من السنة فما روي عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَن اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ. وفي رواية:( بما أجمع عايه الناس) . ووجه الاستدلال بهذا الأثر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رتب لقاضيه الأدلة الشرعيةن ومصادر التشريع الإسلامي فذكر بعد الوحيين المصدر الثالث وهو ما قضى به الصالحون، وهو ما أجمعوا عليه واتفقوا عليه كما تفيده الرواية الثانية. وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا السياق مجموعة من الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم كلها تفيد هذا المعنى، ومن ذلك ما أثر عن ابن مسعود – رضي الله عنه – "أنه كان يقدم الكتاب ثم السنة ثم الإجماع" وكان ابن عباس – رضي الله عنه – يفتي بما في الكتاب ثم بما في السنة ثم بسنة أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما- لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) ، ثم قال رحمه الله تعالى:" وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء وهو الصواب" . وأما المعقول فكما يؤكد الآمدي – رحمه اله تعالى - بقوله:( أن الخلق الكثير، وهم أهل كل عصر إذا اتفقوا على حكم قضية وجزموا به جزما قاطعا، فالعادة تحيل على مثلهم الحكم والجزم بذلك والقطع به، وليس له مستند قاطع بحيث لا يتنبه واحد منهم إلى الخطإ في القطع بما ليس بقاطع. ولهذا وجدنا أهل كل عصر قاطعين بتخطئة مخالف ما تقدم من إجماع من قبلهم، ولولا أن يكون ذلك عن دليل قاطع، لاستحال في العادة اتفاقهم على القطع بتخطئة المخالف ولا يقف واحد منهم على وجه الحق في ذلك) . المطلب الثالث: أنواع الإجماع الإجماع من حيث دلالته ينقسم إلى قسمين: الأول: الإجماع القطعي، وهو ما ثبت بدليل يفيد القطع، وقطع فيه بانتفاء المخالف، وهذا النوع من الإجماع لا يمكن أن يقع على خلاف النص الثابت، يقول ابن تيمية – رحمه الله تعالى – مقررا هذا المعنى :" لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص" ويدخل في هذا النوع المعلوم من الدين بالضرورة، ويجب الاحتجاج به، ويفيد العلم والعمل معا، ولا تجوز مخالفته بحال، ويقدم على النص، لأنه في في الحقيقة تقديم للنصوص القطعية الثبوت والدلالة، إذ لا يمكن أن يكون ثبوت النوع من الإجماع إلا عن طريق يفيد القطع، ولا بد أن يكون مستنده نصا من كتاب أو سنة فتقديمه في النهاية تقديم لذلك المستند القرآني أو الحديثي الذي استند عليه الإجماع، وليس في حقيقة الأمر تقديما للإجماع على النص كما قد يتوهم البعض. الثاني: الإجماع الظني وهو الإجماع الإقراري والاستقرائي بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا، أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره . الاحتجاج بالإجماع الظني: يحتج عند الجمهور بالإجماع الظني، ولكنه وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص به، لأنه حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها، فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، فإن قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي – كما تقدم – وأما إن كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية، والظني لا يدفع به النص المعلوم، لكن يحتج به، وبقدم على ما هو دونه بالظن، ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدمه، والمصيب في نفس الأمر واحد ، وهذا النوع من الإجماع يفيد وجوب العمل دون العلم. وينقسم الإجماع باعتبار كيفية وقوعه إلى قسمين: الأول: الإجماع الصريح، وهو -كما تقدم في تعريف الإجماع- ما دل عليه الجميع بأقوالهم جميعا، أم بأفعالهم جميعا، أم بقول بعضهم وفعل بعض، وقد يطلق عليه البعض العزيمة الثاني: الإجماع السكوتي، وهو ما دل عليه قول بعض أم فعله مع سكوت البعض الآخر بعد العلم به، وفي هذا النوع من حيث تسميته إجماعا أو الاحتجاج به أقوال مبسوطة في كتب الأصول وليس هذا محل سردها، وأصحها أنه إجماع وحجة وإن كان دون النوع الأول . المطلب الرابع: شروط انعقاد الإجماع لا بد لانعقاد الإجماع من توفر جملة من الشروط والضوابط التي إن تخلَّف بعضها كان الإجماع باطلا، وهذه الشروط منها ما هو محل اتفاق بين العلماء، وما هو محل اختلاف الآراء وتباين وجهات النظر، وفيما يلي عرض لهذه الشروط وبيان المتفق عليه والمختلف فيه: الشرط الأول: أن يكون الإجماع عن مستند الإجماع يجب أن يكون مستندا إلى دليل شرعي، يقول الآمدي:" اتفق الكل على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ ومستند يوجب اجتماعها خلافا لطائفة شاذة، فإنهم قالوا بجواز انعقاد الإجماع عن توفيق لا توقيف بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب من غير مستند" . وقد استدل الجهور على هذا بأن الإجماع اجتهاد، بل هو مجموع اجتهاد المجتهدين، والاجتهاد معناه بذل الجهد في استخراج الحكم من دليله، فكان الإجماع كذلك، إذ ليس التشريع بدون دليل اجتهادا، بل تحكما، وهو ممنوع شرعا. إن إجماع الأمة جميعها دون خلاف واحد فيها دليل على وجود الدليل، لأن العقل يحيل عادة اجتماع آراء المجتهدين جميعا دون خلاف واحد منهم من غير دليل يستند إليه هذا الإجماع، وذلك اعتمادا على تعدد المشارب والاتجاهات الفكرية، وطرق الاستنباط، فكان قيام الدليل واستناد الإجماع إليه ضرورة عقلية. هنا مسألة وهي: ما نوع الدليل الذي يكون مستندا للإجماع؟ اتفق العلماء على أن الكتاب والسنة يكونان مستندا للإجماع، واختلفوا في الاجتهاد والقياس، فجوزه الأكثرون، لكن اختلفوا في الوقوع نفيا وإثباتا. والقائلون بثبوته اختلفوا فمنهم من قال إن الاجماع مع ذلك يكون حجة تحرم مخالفته، وهم الأكثرون، ومنهم من قال لا تحرم مخالفته، لأن القول بالاجتهاد في ذلك يفتح باب الاجتهاد ولا يحرمه ، ولكل فريق أدلته وبراهينه التي اعتمد عليها والذي يظهر منع كون الاجتهاد والقياس مستندا للإجماع، قال صاحب اللمع:" اعلم أن الاجماع لا ينعقد إلا على دليل فإذا رأيت إجماعهم على حكم علمنا أن هناك دليلا جمعهم سواء عرفنا ذلك الدليل أو لم نعرفه ويجوز أن ينعقد على كل دليل يثبت به الحكم كأدلة العقل في الأحكام ونص الكتاب والسنة وفحواهما وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقراره والقياس وجميع وجوه الاجتهاد" . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:( كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمخالف لهم مخالف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أن المخالف للرسول -صلى الله عليه وسلم- مخالف لله تعالى، لكن هذا يقتضي أن كل ما أُجمع عليه قد بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الصواب، فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول -صلى الله علسه وسلم- لكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به، كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص... ولا يوجد مسألة متفق عليها إلا وفيها نص..) . ثم بعد ذلك سرد مجموعة من القضايا التي قيل أن مستندها الاجتهاد أو القياس فذكر النصوص التي خفيت على بعض المجتهدين في ذلك، وأعقب ذلك بقوله:( وعلى هذا فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصا، فقالوا باجتهاد الرأي الموافق للنص لكن النص كان عند غيرهم) . فعلم من هذا أن الإجماع وإن توهم أنه استند إلى اجتهاد أو قياس فإنما ذلك لخفاء النص عن المجتهد، وقد يكون لدى غيره من المجتهدين، وبهذا يكون الخلاف في هذه المسألة مما يمكن إرجاعه إلى اللفظ، وقد يكون مستند الإجماع معروفا لكن يستغنى عن ذكره بذكر الإجماع، أو ينسى الدليل أصلا، ولا يكون ذلك مما يقدح في صحة الإجماع وثبوته. الشرط الثاني: أن يكون الإجماع صادرا من جميع مجتهدي العصر فلا ينعقد الإجماع بقول الأكثر ومخالفة الأقل، وإن كان المخالف واحدا ممن يعتد بخلافه حسب ما عليه الجمهور، وذهب جماعة إلى انعقاده باتفاق الأكثر مع مخالفة الأقل، وقد تمسك الجمهور بأمرين: الأول: أن التمسك في إثبات الإجماع حجة إنما هو بالأخبار الواردة في السنة الدالة على عصمة الأمة، ولفظ الأمة إنما يكون المراد به جميع الموجودين. الثاني: وقوع مثل ذلك في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، حيث اتفق أغلبهم على رأي وخالفهم قلة، ومع ذلك لم ينكروا عليهم مخالفة قولهم بل سوغوا لهم ذلك فلو كان الإجماع ينعقد بقول الأكثر وهو حجة قطعية لما جاز أن يخالفه أحد، ومثال ذلك اتفاق الصحابة على عدم قتال مانعي الزكاة ومخالفة أبي بكر – رضي الله عنه - لهم، كذلك خلاف أكثر الصحابة لما انفرد به ابن عباس في مسألة العول وتحليل المتعة وأنه لا ربا إلا في النسيئة . فعلم من هذا أن الإجماع يجب أن يقع من جميع مجتهدي الأمة، ولكن يذكر هنا أن قول الأكثر، وإن لم ينعقد به الإجماع يبقى ذا ثقل في الترجيح وأولى بالاتباع. الشرط الثالث: أن يكون الإجماع صادرا من العلماء المجتهدين المجمعون يجب أن يكونوا من العلماء الذين بلغوا رتبة الاجتهاد، فاختصاص الإجماع إنما هو بالمجتهدين من الأمة فقط ولا اعتبار بوفاق ولا خلاف غيرهم من العوام، وحتى إن اعتبر اتفاق العوام فلا تناقض، والعامي في هذا الباب يقصد به كل من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد وإن كان ذا علم، وكذلك من بلغ الاجتهاد في فن غير هذا الفن فهو عامي في هذا الاختصاص كالمتفنن في علم اللغة والنحو، أو دقائق الحساب.. ويلاحظ أن هذا الشرط وتالييه إنما هو تفصيل لمن يعتبر قوله في الإجماع، فشرط بلوغ رتبة الاجتهاد، والحياة والعدالة كلها صفات يجب توفرها في المجمعين. الشرط الرابع: أن يكون المجمعون أحياء موجودين المعتبر في المجمعين هم الأحياء الموجودون، فلا اعتبار بالأموات، كما لا اعتبار بمن لم يولد بعد أو ولد لكنه في حكم من لم يوجد كالصبي ومن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد وقت انعقاد الإجماع. وهنا اختلف العلماء في اشتراط انقراض عصر المجمعين ولم يرجع أحدهم، فالذي عليه الجمهور عدم اشتراط الانقراض وأن الإجماع ينعقد ولو لحظة، وحيث وقع ليس لأحد الرجوع وإن رجع فلا يقدح ذلك في انعقاد الإجماع إذ لا اعتبار به أصلا، وذهب آخرون منهم الإمام أحمد – رحمه الله – إلى اشتراض الانقراض، وفصل بعضهم فاعتبروه في الإجماع السكوتي، ولم يشترطوه في الإجماع الصريح، واحتج من اشترط الانقراض بأن الإجماع إنما صار حجة بطريق الكرامة بناء على وصف الاجتماع فلا يثبت الإجماع إلا باستقرار الآراء واستقرارها لا يثبت إلا بانقراض العصر.. لجواز كون البعض قبله في تأمل وتفحص.. وقد تمسك الجمهور بأن الإجماع إنما ثبت بالنصوص الواردة من الكتاب والسنة، وهذه النصوص لم تفصل بين ما إذا انقرض العصر ولم ينقرض... فلا يصح زيادة اشتراط لم تشترطه النصوص .. وكذلك فإنا لو اشترطنا الانقراض لم يثبت الإجماع أبدا، وذلك لأن الأعصار تتداخل فيما بينها فكلما اتفق الناس على حادثة فقبل أن ينقرض جميع المجمعين على حكم تلك الحادثة جاء من تتوفر فيه شروط الاجتهاد فنعتبر وفاقه وخلافه وهكذا إلى ما لا نهاية. واستنادا لما تقدم توضيحه يرى الباحث أن القول الصحيح هو أن انقراض العصر غير مشترط في انعقاد الإجماع، فإذا اتفقت كلمة الأمة ولو لحظة انعقد الإجماع ، ويبقى هنا أن نشير إلى أن القول باشتراط الانقراض في الإجماع السكوتي مسلك قوي، وقد اختاره الآمدي الشرط الخامس: أن يكون المجمعون عدولا مذهب الجمهور اشتراط العدالة في المجمعين، وعليه لا يتوقف الإجماع على موافقة ولا مخالفة الفاسق والمبتدع وغيرهما ممن انتفت فيه صفة العدالة، وقد تمسك الجمهور بأن الأدلة التي دلت على حجية الإجماع تتضمن العدالة وبخاصة قوله تعالى:((وكذلك جعلناكم أمة وسطا)) }البقرة. الآية {341 إذ الوسط: العدل ، ولأن غير العدل أو جب الله التوقف في أخباره بقوله تعالى:(( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيونا)) }الحجرات، الآية: 6 { واجتهاده إخبار بأن رأيه " كذا" فيجب التوقف في قوله. ومن العلماء من اعتبر قول المجتهد الفاسق يقول صاحب اللمع:" ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد سواء كان مدرسا مشهورا أو خاملا مستورا وسواء كان عدلا أمينا أو فاسقا متهتكا لأن المعول في ذلك على الاجتهاد والمهجور كالمشهور والفاسق كالعدل في ذلك.." وللعلماء تفصيل طويل في قول المبتدع من حيث قبول قوله ورفضه، كل ذلك مبسط في محله، وإن كان قول الجمهور مضى بعدم الاعتداد بقول المبتدع مطلقا. المطلب الخامس: الحكمة من الإجماع وفوائده وأما عن السر والحكمة في اختصاص أمة محمد – صلى الله عليه وسلم - بالإجماع فيقول الإمام الزركشي – رحمه الله تعالى- :" والسرّ في اختصاص هذه الأمة بالصواب في الإجماع أنهم الجماعة بالحقيقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- بُعث إلى الكافة، والأنبياء قبله إنما بُعث النبي لقومه، وهم بعض من كل، فيصدق على كل أمة أن المؤمنين غير منحصرين فيهم في عصر واحد، وأما هذه الأمة فالمؤمنون منحصرون فيهم، ويد الله مع الجماعة، فلهذا - والله أعلم - خصّها بالصواب.." وأما فوائد الإجماع فكثيرة ومن أهمها ما يلي: الفائدة الأولى: الإجماع على المعلوم من الدين بالضرورة يُظهر حجم الأمور التي اتفقت فيها الأمة؛ بحيث لا يستطيع أهل الزيغ والضلال إفساد دين المسلمين، ومن طالع حال الأمم السابقة من أهل الكتاب وغيرهم، في اختلافهم في أصول دينهم العلمية والعملية علم النعمة العظيمة التي اختُصت بها هذه الأمة؛ حيث أجمع أئمة الدين على مئات من الأصول بله الفروع، بحيث لا يخالف فيها أحد من المسلمين، وممن خالف بعد العلم حُكِم عليه بما يقتضيه حاله من كفر أو ضلال وفسق. الفائدة الثانية: العلمُ بالقضايا المجمع عليها من الأمة يعطي الثقة التامة بهذا الدين، ويؤلف قلوب المسلمين، ويسدّ الباب على المتقولين الذين يزعمون أن الأمة قد اختلفت في كل شيء؛ فكيف يجمعها أو يربطها رابط؟! الفائدة الثالثة: أن السند الذي يقوم عليه الإجماع قد يكون ظنياً فيكون الإجماع عليه سبباً لرفع رتبة النص الظنية والحكم المستنبط منه إلى رتبة القطع؛ لأنه قد دلّ الإجماع على أنه لا خبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخالف ما أجمعوا عليه. الفائدة الرابعة: تحتمل النصوص في جملتها التأويل والتخصيص والتقييد والنسخ وغيره، فإذا كانت هي المرجع وحدها كثر الخلاف بين الأئمة المجتهدين الذين يستنبطون الأحكام منها، لاختلاف المدارك والأفهام، فإذا وجد الإجماع على المراد من النص ارتفعت الاحتمالات السابقة، واتقى المجتهدون بذلك متاعب الخلاف والنظر والاستنباط. الفائدة الخامسة: بعض النصوص من السنة التي هي مستند الإجماع قد يكون هناك خلاف في صحتها فيكون الإجماع على مضمونها قاطعا للنزاع الناشئ من اختلافهم في تصحيحها . والفوائد من الإجماع كثيرة، ولعل فيما ذكر كفاية، وقبل ختام هذا العرض لا بد من الإشارة لبعض المسائل والتأكيد عليها دون الدخول في التفاصيل، وهي: المسألة الأولى: هل يتطرق النسخ إلى الإجماع؟ إذا ثبت انعقاد إجماع الأمة -بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع- على حادثة معينة في عصر من العصور فهل يصح أن يحدث الناس إجماعا آخر في تلك الحادثة بعينها على حكم مخالف للأول المجمع عليه يكون ناسخا له أم لا؟ الذي عليه الجمهور من العلماء أن الإجماع لا ينسخ كما ينسخ النص، ولا يختص كما يختص المفهوم، بل يجب استصحابه أبدا . المسألة الثانية: إمكان الاطلاع على الإجماع وقع الخلاف بين العلماء قديما في إمكان الاطلاع على الإجماع، فيرى الجمهور إمكانه، ورأى آخرون عدم الإمكان بعد عهد الصحابة وذلك لأن الناس تفرقوا في البلدان بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية مما قد يستحيل معه الوقوف على قول كل مجتهد، وفعلا وإن لم يكن ذلك مستحيلا – حسب الجمهور – فإنه من الصعوبة بمكان، غير أن الأوضاع تغيرت في عصرنا الحاضر حيث أصبح العالم كقرية واحدة بسبب التطور المذهل السريع في وسائل الاتصال، مما يجعلنا متأكدين من أن كثيرا من أسلافنا الذين منعوا إمكان الاطلاع على أقوال العلماء المتفرقين في البلدان لو كان مقدرا لهم أن يعيشوا في هذا العصر لغيروا موقفهم ذاك. لقد أصبحت معرفة الإجماع من الأمور السهلة لو أن الحكومات الإسلامية مهتمة بذلك، من خلال إنشاء مؤسسات خاصة ذات إمكانيات وقدرات تقوم باستطلاع آراء جميع المجتهدين من علماء الأمة المتفرقين في بقاع الأرض، ومن خلال الاستفادة من التقنيات الجديدة في عالم الاتصالات. المسألة الثالثة: المجامع الفقهية، وهيئات الافتاء في الدول الإسلامية تلعب المجامع الفقهية الإسلامية، وهيئات الافتاء دورا مهما في محاولة جمع كلمة علماء الأمة، وتضييق هوة الخلافات بينهم من خلال ما تقوم به من اجتهاد جماعي مهم، ومن الأسئلة المطروحة لدى البعض اليوم ما يلي: ما قيمة قرارات هذه المجامع وتلك الهيئات؟ وهل هي بمثابة إجماع لا يسوغ لأحد الخروج عنه؟ أم أنها مجرد رأي لعدد من العلماء لا يمثلون الأمة كلها؟ والجواب عن هذه التساؤلات يمكن استخلاصه من تفاصيل ما تقدم من عرض حول الإجماع، وشروط انعقاده، وعليه يمكن القول بأن قرارات هذه المجامع لا يمكن أن تعد إجماعا بمعناه الأصولي، والذي يلزم اتباعه، وذلك لأنها لم تستوف شروط الإجماع المقررة سلفا، خاصة إذا علمنا أن هذه المجامع وتلك الهيئات تتكون من ممثلين – فقط- لبعض الدول والأقطار الإسلامية ولا يشارك فيها جميع مجتهدي الأمة قطعا، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى فإن القرارات التي تصدرها إنما تتوصل إليها في كثير من الأحيان عن طريق التصويت من المشاركين، ويتخذ القرار بقول الأغلبية مع وجود أعضاء آخرين غير متفقين معهم. إذا علمنا هذا فيجب علينا أن نعطي هذه المجامع حقها، فهي وإن لم تكن إجماعا إلا أنها في أقل أحوالها تمثل رأي عدد كبير من علماء الأمة، خاصة عندما يتفق جميع الأعضاء، وجميع المجامع على قرار معين، فلا شك أن ذلك القرار إن لم يكن إجماعا على قول الجمهور، فلا يعدو أن يكون اتفاق الأكثر مع مخالفة الأقل، هذا إذا علم من يخالف فيه من العلماء الآخرين، فإن لم يعلم مخالف بعد التأكد من علم جميع المجتهدين به فهو إجماع استوفى شروطه وأركانه ووجب الأخذ به، وحرمت مخالفته. وبهذا نأتي إلى ختام هذا العرض الموجز والمقتضب عن الإجماع الإصولي، وقد جاء فيه الحديث عن تعريف الإجماع، وبيان مرتبته في سلم الأدلة الشرعية، وشروط انعقاده، وحكم مخالفته، فوائده والحكمة من اختصاص هذه الأمة به، ومسألة تطرق النسخ له، وإمكان الإطلاع عليه، خاصة في هذا العصر، كما تطرقنا فيه لدور المجامع الفقهية، وكل ذلك بشكل موجز لم أدع فيه الكمال، بل أعترف بالقصور، وأقل ما يمكن أن يستفيده القارئ لهذه السطور الرغبة في الاستزادة من هذا الموضوع المهم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه. المصادر والمراجع: 1- ابن أبي شيبة، المصنف. 2- ابن تيمية، مجموع الفتاوى. 3- ابن حزم، الأحكام. 4- ابن قدامة المقدسي، روضة الناظر. 5- الزبيدي، تاج العروس. 6- الأزهري، تهذيب اللغة. 7- الآمدي، الإحكام. 8- البزدوي، كشف الأسرار. 9- البيهقي، السنن. 10- الترمذي، السنن. 11- الجرجاني، التعريفات. 12- حاشية العطار على شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع. 13- الرازي، المحصول. 14- الزركشي، البحر المحيط. 15- السرخسي، أصول السرخسي. 16- سعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي. 17- الشبكة الإسلامية: www.islamweb.net نظرة في الإجماع الأصولي. 18- الشيرازي، اللمع. 19- الغزالي، المستصفي. 20- محمد قلعجي، معجم لغة الفقهاء. 21- النسائي، السنن.

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

الاشتقاق المالي من منظور شرعي

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،، فإن موضوع الاشتقاق المالي من المواضيع التي يجري الحديث عنها في الساحة الاقتصادية، ويكتسب أهميته في كونه أحد أبرز ما تستخدمه المؤسسات المالية اليوم لحماية مصالحها من الأخطار التي تواجهها، أو لزيادة محافظها الاستثمارية، وهو كذلك من إفرازات ما يسمى بالهندسة المالية، وفي مجال البحث في الاقتصاد الإسلامي من الضروري عرض هكذا مواضيع على الشريعة الإسلامية، ولا بد كذلك من أن تكون القاعدة التي ينطلق منها الباحث المسلم هي الشريعة فهي النبراس الذي به يستضيء، و به يهتدي في مسيرته الابتكارية أو التطويرية. ومن هنا كانت هذه المحاولة لدراسة الاشتقاق المالي من منظور شرعي، في خطوط عريضة دون التعمق في التفاصيل، وكان من الأسئلة التي تراودنا كثيرا في دراستنا للاقتصاد الإسلامي ما يلي: هل نحن في فقه المعاملات المالية أمام مجموعة من العقود والصور التي لا يجوز لنا الخروج عنها؟ وأي عقد جديد لم يُسمَّ فهو عقد غير مقبول؟ أم إن بالإمكان استحداث صور جديدة، أو تطوير عقود قديمة لتتوافق مع متطلبات الزمان والمكان، وما هي الضوابط التي تضبط عملية الابتكار والتطوير المالي لضمان كون النتائج مقبولة شرعا؟ أسئلة تتطلب الإجابة عنها بحثا مستفيضا، لكن ومن باب ما لا يدرك كله لا يترك المقدور عليه سيحاول الباحث رسم خطوط عريضة هي بمثابة الحروف الاستهلالية للإجابة عن تلك التساؤلات، من خلال الخطة التالية:  توطئة حول مفهوم الهندسة المالية، التقليدية والإسلامية.  المبحث الأول: ويتضمن بيان مفهوم الاشتقاق المالي، وتحته مطالب ثلاثة: • المطلب الأول: مفهوم المشتقات المالية. • المطلب الثاني: طبيعة المشتقات المالية وأهم أدواتها. • المطلب الثالث: الجدل حول المشتقات المالية.  المبحث الثاني: ويتضمن بيان مفهوم الاشتقاق المالي من منظور شرعي، وتحته مطالب: • المطلب الأول: المبادئ والضوابط الشرعية للاشتقاق المالي • المطلب الثاني: بيان أصول المحرمات في المعاملات المالية. • المطلب الثالث: عقود المتشقات التقليدية في ميزان الفقه الإسلامي.  خاتمة تتضمن أهم النتائج والله أسأل أن يوفقني للصواب، ويجنبني الخطأ والزلل، وهو ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. توطئة حول مفهوم الهندسة المالية مؤسسات الأعمال في مسيرتها الممتدة من الماضي إلى الحاضر واجهت - وستواجه في قابل أيامها- تغيرات متعددة، وتقلبات كبيرة، قد تكون متوقعة أو غير متوقعة، إلا أنها تشكل في نهاية الأمر تهديدا لتلك المؤسسات، وخطرا جسيما عليها، فإما أن تحُدَّ من وتيرة نشاطها، أو تحمِّلَها خسائر فادحة، أو تقضي عليها نهائيا بالإفلاس. فمن الطبيعي أن تسعى تلك المؤسسات وتكثف جهودها وأنشطتها لمواجهة التهديد، وامتلاك القدرة على الصمود في وجه العواصف النواسف، وإلا كانت في خبر "كان" وفعلا قامت بكل ما بوسعها لابتكار وتطوير أسلحة مالية للدفاع، تمكنها من إدارة هذه المخاطر، أو التحوط منها، فكان مصطلح "الهندسة المالية" عنوانا لتلك الممارسات والابتكارات. ومن هنا ندرك أن "مفهوم الهندسة المالية قديم قدم التعاملات المالية، لكنه قد يبدو حديثا نسبيا من حيث المصطلح والتخصص" ، وإذا أردنا تعريف الهندسة المالية فإننا سنقف على عدد من التعريفات المستخلصة من وجهات نظر الباحثين الذين يطورون النماذج والنظريات، أو مصممي المنتجات المالية التقليدية ، وليس هدف هذه الورقة بسط القول في الهندسة المالية، وإنما إشارة وتوطئة ممهدة للحديث عن الاشتقاق المالي، ولذا سيكتفي الباحث بإيراد تعريفين فقط لعل فيهما ما يفي بالمقصود. الخبير الاستشاري نشأت عبدالعزيز يعرف الهندسة المالية بأنها(( تصميم وتطوير وتطبيق عمليات وأدوات مالية مستحدثة، وتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشكلات الاقتصادية والمالية)) . الدكتور والخبير المالي سامي السويلم أورد تعريفا لأحد المهندسين الماليين الغرب في سياق انتقادي، وهذا نص كلامه ( يُعرِّف بعض الباحثين الهندسة المالية بأنها: "التصميم والتطوير والتنفيذ لأدوات مالية مبتكرة، والصياغة لحلول إبداعية لمشاكل التمويل" وهو بذلك يشير إلى أن الهندسة المالية تتضمن ثلاثة أنواع من الأنشطة: 1- ابتكار أدوات مالية جديدة مثل بطاقات الائتمان. 2- ابتكار آليات تمويلية جديدة من شأنها تخفيف التكاليف الإجرائية لأعمال قائمة مثل التبادل من خلال الشبكة العالمية. 3- ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية مثل إدارة السيولة، أو الديون، أو إعداد صيغ تمويلية لمشاريع معينة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع. والابتكار المقصود ليس مجرد الاختلاف عن السائد، بل لا بد أن يكون هذا الاختلاف متميزا إلى درجة تحقيقه لمستوى أفضل من الكفاءة والمثالية، ولذا لا بد أن تكون الأداة أو الآلية التمويلية المبتكرة تحقق ما لا تستطيع الأدوات والآليات السائدة تحقيقه. وعليه فيمكن إجمال مفهوم الصناعة المالية بأنها: " ابتكار لحلول مالية" فهي ترتكز على عنصر الابتكار والتجديد، كما أنها تقدم حلولا فهي بذلك تلبي احتياجات قائمة، وتستغل فرصا أو موارد معطلة، وكونها مالية يحدد مجال الابتكار في الأنشطة الاقتصادية سواء في التبادل أو التمويل). الحاجة أم الاختراع الابتكار والتطوير أساس الهندسة المالية، فلماذا الابتكار المالي؟ ولماذا الهندسة المالية؟ في مستهل هذه التوطئة تقدمت إشارة أو تلميح قد يجيب على هذا التساؤل، ولكن يمكن إجمال ما توصلت إليه النظريات التي تولَّت الإجابة على السؤال المتقدم في أنها: "استجابة لقيود معينة تعوق عن تحقيق الأهداف الاقتصادية كالربح والسيولة وتقليل المخاطرة، وهذه القيود قد تكون قانونية مثل منع عقود أو تعاملات معينة قانونا، أو قيودا تقنية مثل صعوبة نقل منتجات معينة، أو تحويل مواد إلى أخرى، أو قيودا اجتماعية مثل تفضيل نوع معين من المنتجات على أخرى، وبكلمة وجيزة: "الحاجة أم الاختراع" سلاح ذو حدين قد يساهم الابتكار المالي في عدم الاستقرار الاقتصادي كما يفهم من تعريفه بحسب الأصل فهو خروج عن السائد، ولكنه في الوقت نفسه السلاح الفعال الذي تواجه به المؤسسات الاقتصادية التهديدات التي تتلقاها من لدن التقلبات والتغيرات الخطيرة في مناخ المال والأعمال، فكان بذلك سلاحا ذا حدين. فالابتكار نافع ومفيد حينما يحقق المصالح المشروعة، إذ يرفع الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية ومن ثَم يزيد في مستوى الرفاهية، وهذه الزيادة في الرفاهية تعادل ما قد يحدث من عدم استقرار بطبيعة الابتكار، لكن إذا خلا الابتكار من هذه الإيجابيات وكان المقصود به هو مجرد تجاوز الأنظمة وتخطي السياسات لزيادة الربحية فسوف يؤدي بطبيعة الحال إلى عد استقرار الأسواق المالية دون مقابل من الرفاه الاقتصادي . وفي سطور قادمة من هذه الورقة سوف نقف – بإذن الله تعالى- على ما يشهد لما تقدم. الهندسة المالية الإسلامية لم يعد التساؤل المطروح اليوم: هل يوجد اقتصاد إسلامي مستقل عن الاقتصاد القائم السائد اليوم؟ ذلك التساؤل الذي ينبع من ناس تمتلئ أدمغتهم تصورات وأفكارا إما أن تكون صادرة من جهلهم المطبق بالإسلام ومبادئه، وإما من جحد للحقيقة، ونكران للواقع، أيا كانت الدوافع، وعلى كل حال فإن مرحلة الرد على هذه التساؤلات قد ولَّتْ وانقضتْ فقد أثبت الاقتصاد الإسلامي وجوده وفرض نفسه على الواقع، فاعترف الجميع – سوى أصوات نشاز - بوجود اقتصاد مستمد من الإسلام ومبادئه وقواعده العامة، ولكن التساؤل الذي يختلج في صدور البعض الآن هو هل هناك هندسة مالية إسلامية؟ وماذا يميزها عن الهندسة القائمة ( التقليدية)؟ وهل نحن بحاجة فعلا إلى هندسة مالية أو صناعة مالية إسلامية؟ لا يزال علماؤنا وخبراؤنا الاقتصاديون يسطرون بأقلامهم المعطاءة إجابات عن مختلف التساؤلات، وتوضيحات لشتى الإشكالات، وهذه الورقة محاولة لقراءة متواضعة في جانب من إفرازات الهندسة المالية، وهو الاشتقاق المالي من وجهة النظر الإسلامية، وقبل الانطلاق وحسَب الخطة المرسومة تجدر الإجابة ولو بشكل موجز عن التساؤلات السابقة لتكون خاتمة للتوطئة عن مفهوم الهندسة المالية، وتمهيدا للدخول في الموضوع الرئيس للورقة. مفهوم الهندسة المالية الإسلامية: من حيث الواقع فإن الصناعة المالية الإسلامية وُجدت منذ أن جاءت الشريعة بأحكامها المطهرة، وربما كان في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لبلال المازني – رضي الله عنه – حين أراد أن يبادل التمر الجيد بالتمر الرديء، فقال صلى الله عليه وسلم:( لا تفعل، بع بالدراهم، واشتر بالدراهم جنيبا). إشارة إلى أهمية البحث عن حلول تلبي الحاجات الاقتصادية دون إخلال بالأحكام الشرعية . إذا علمنا أن الهندسة المالية الإسلامية قديمة قدم الشريعة، فما هو تعريف هذه الهندسة؟ وماذا يميزها عن غيرها، وهل تدعو إليها ضرورة؟ الأستاذ فتح الرحمن علي محمد صالح يعرف الهندسة المالية الإسلامية تعريفا شبيها بالتعريف السابق للهندسة التقليدية، ويضيف عليه ما يميز بين الهندستين، فيقول:( هي مجموعة من الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة إضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل، وكل ذلك في إطار توجيهات الشرع الإسلامي) . الانطلاق من توجيهات الشرع الإسلامي، نحو التطوير والابتكار المالي، هو الفرق الجوهري بين الهندستين، والحد الفاصل بين الصناعتين. وعندما نُفضِّل الإجمال في التعريف فيمكن إضافة هذا القيد إلى تعريف الدكتور السويلم المتقدم للهندسة المالية فيقال في تعريف الهندسة المالية الإسلامية بأنها:" ابتكار لحلول مالية وفق قواعد الشرع الإسلامي، وتوجيهاته" لماذا الهندسة المالية الإسلامية؟ تتجلى الحاجة إلى هندسة مالية إسلامية في النقاط الآتية: 1- البحث عن الحلول التي تلبي الاحتياجات الاقتصادية مع استيفاء قواعد الشرع. 2- تطور المعاملات المالية في العصر الحاضر، وتزايد عوامل المخاطرة، وتغير الأنظمة الحاكمة يجعل الاحتياجات الاقتصادية معقدة ومتشعبة، ومن ثم تزيد الحاجة للبحث عن حلول ملائمة لها. 3- التحدي الذي يواجهه الاقتصاد الإسلامي من قبل المؤسسات الرأسمالية يحتم أن تتجاوز الحلول الإسلامية كونها عملية فحسب إلى تحقيق مزايا مكافئة لتلك التي تحققها الحلول الرأسمالية ، والسبيل إلى ذلك هو الهندسة المالية الإسلامية. ما الفرق بين الهندسة المالية التقليدية والهندسة المالية الإسلامية؟ رغم اشتراك الهندستين في كون الابتكار أساسا لهما، إلا أنه في الهندسة المالية الإسلامية لا يؤدي إلى تجاوز الأحكام الشرعية، أو الخروج عن قواعد الشريعة العامة، فالهندسة المالية الإسلامية تنطلق نحو الابتكار والتطوير في إطار توجيهات الشريعة، بخلاف التقليدية التي تنطلق من سعيها لتلبية الاحتياجات الاقتصادية وحتى لو أدى ذلك لترغيم أنف القوانين والتشريعات في غبار السعي الحثيث نحو إشباع الرغبات والحاجات الاقتصادية. وبشكل موجز فإن الهندسة المالية الإسلامية تسعى إلى " إيجاد منتجات وأدوات مالية تجمع بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية... فالمصداقية الشرعية تعني أن تكون موافقة للشرع، والكفاءة الاقتصادية تعني أن تكون تلك المنتجات محققة لمقاصد المتعاملين بأقل قدر ممكن من التكاليف الإجرائية والتعاقدية" . قد يكون في هذه التوطئة - ولو بنسبة ضئيلة- ما يعطي تصورا عاما عن مفهوم الهندسة المالية، بنوعيها الإسلامية، والتقليدية، ولذا أعتذر للقارئ الكريم عن عدم التوسع، وأستميحه عذرا في ختم هذا التمهيد فالخطة المرسومة مسبقا لهذه الورقة لا تسمح بأكثر من هذا، فإلى المحاور الأساسية. المبحث الأول: مفهوم الاشتقاق المالي الاشتقاق المالي أحد أهم الأسلحة التي استخدمتها مؤسسات المال والأعمال في مواجهة التقلبات والتغيرات المستمرة في الحياة الاقتصادية، وهو أخطر وسيلة امتطاها المهندسون الماليون نحو عالم الابتكارات المالية، فابتكروا أساليب وأدوات مالية جديدة، وطوروا كذلك أساليب مالية قديمة لإدارة المخاطر، والتحوط منها، وكما يظهر بحسب الأصل من معنى الاشتقاق فإنه يقوم على اشتقاق وخلق أداة مالية جديدة من أداة أو أصل آخر، وتتوقف قيمة ذلك المشتق على قيمة أداء الأصل المشتق منه. وفي هذا المبحث يتطرق الباحث إلى بيان مفهوم المشتقات المالية في مطلب، وبيان طبيعتها وأهم أدواتها في مطلب ثان، وفي مطلب آخر يتناول الجدل القائم حول المشتقات المالية بالقدر الذي يتناسب مع حجم الورقة، ويفترض أنه بالانتهاء من قراءة هذا المبحث يمكن تكوين فكرة عامة عن الاشتقاق المالي، ومن ثم يمكن عرض وجهة النظر الإسلامية في هذا الخصوص. المطلب الأول: مفهوم المشتقات المالية المشتقات Derivatives Dérivés هي عقود تشتق قيمتها من قيمة الأصول المعنية ( أي الأصول التي تمثل موضوع العقد)، والأصول التي تكون موضوع العقد تتنوع ما بين الأسهم والسندات والسلع والعملات الأجنبية . وبعبارة أخرى: عقود تتوقف قيمتها على أسعار الأصول المالية محل التعاقد، ولكنها لا تقتضي أو تتطلب استثمارا لأصل المال في هذه الأصول . فالمشتقات المالية إذن تعتمد قيمتها على قيم متغيرات أخرى أصلية، وقد تحقق بها المؤسسة مكاسب ربحية، كما قد تتكبد بسببها خسائر فادحة حسب أداء الأصل الذي اشتقت منه، ولهذا سميت بالمشتقات. مكونات عقد المشتقات: ويتكون عقد المشتقات مما يلي: 1- تحديد سعر معين للتنفيذ في المستقبل. 2- تحديد الكمية التي يطبق عليها السعر. 3- تحديد الزمن الذي يسري فيها العقد. 4- تحديد الشيء محل العقد والذي قد يكون: - سعر فائدة محدد. – سعر ورقة مالية. – سعر سلعة. – سعر صرف أجنبي. – مؤشر أسعار. – تقييم أو مؤشر ائتماني... مخاطر المشتقات: وفي الوقت الذي يلجأ المستثمرون إلى استخدام المشتقات المالية لمواجهة المخاطر المصاحبة للعمل الاستثماري الحقيقي، فإن المشتقات قد تجلب لهم مخاطر أخرى تتمثل فيما يلي: - مخاطر الائتمان. - مخاطر السوق، مثل تغير أسعار المشتقات. - مخاطر العمليات الناجمة عن عدم السيطرة. - مخاطر السيولة. - المخاطر القانونية مثل عدم قانونية بعض عقود المشتقات . وبالتالي على المستثمر التوازن بين هذه المخاطر، والمخاطر التي يريد استخدام المشتقات لمواجهتها قبل اتخاذ القرار. المتعاملون في المشتقات: يتعامل بالمشتقات المالية ثلاثة أصناف من الوكلاء الاقتصاديين: الصنف الأول: المتحوطون، وهم الذين يهتمون بتخفيض المخاطر التي يتعرضون لها من مختلف الأنشطة الاقتصادية، فيلجؤون إلى المشتقات المالية، للتحوط من تلك المخاطر، وإدارتها بشكل أحسن، غير أن المشتقات لا تضمن تحسين النتائج، وإنما تسمح فقط بتحسين درجة التأكد، فمثلا لو أن شركة محلية استوردت سلعا معينة من شركة أجنبية بعقد آجل ، خلال 90 يوما مثلا، فالشركة المحلية عليها دفع مبلغ معين، تتوقف تكلفة تسديده بالعملة المحلية على سعر صرف العملة الأجنبية للشركة الموردة خلال 90 يوما، وبالتالي فالشركة المحلية تواجه مخاطرة في سعر الصرف الأجنبي، فتعمد الشركة المحلية إلى أحد أساليب المشتقات لمواجهة هذه المخاطرة، كالدخول في عقد شراء آجل للعملة الأجنبية، وقد تكسب من ذلك وقد تخسر حسب تقلبات أسعار الصرف، ويمكنها اللجوء إلى شراء خيار شراء خلال المدة المذكورة لكي تتمكن من التحوط من مخاطر الصرف الأجنبي الذي تواجهه في هذه الصفقة، وسيأتي قريبا – بإذن الله تعالى- توضيح معنى العقد الآجل، وعقد خيار الشراء/ البيع. الصنف الثاني: المضاربون، أما هذا الصنف من الوكلاء فيستخدمون المشتقات المالية لغرض المضاربة، والمراهنة على تحركات الأسعار المستقبلية، فكلما ترجح لديهم ارتفاع سعر سهم معين، أو سند، أو صرف عملة معينة أو غيرها اتخذوا المركز الطويل في شراء خيار الشراء لذلك السهم أو السند أو تلك العملة، لعلهم يحققون بذلك مكاسب. الصنف الثالث: المراجحون، ويدخلون عندما يكون هناك فرق لأصل معين بين سوقين، أو أكثر وذلك بالشراء من السوق منخفض السعر، والبيع في الوقت نفسه في السوق مرتفع السعر، وبالتالي يحققون ربحا عديم المخاطرة . الهدف من المشتقات: تهدف المشتقات المالية إلى تبادل المخاطر، أو توزيع المخاطر، ولذا فإنه ( من الناحية النظرية يفترض أن يتم تبادل المخاطر بحيث تنتقل إلى الطرف الأكثر جدارة وقدرة على احتمالها، وعليه يستطيع الطرف الأقل قدرة أن يتفرغ للعملية الإنتاجية بينما يستفيد الطرف الأكثر قدرة من العائد الذي يحققه مقابل تحمل المخاطر، ولهذا الغرض يفترض نظريا أن تكون المشتقات هي الوسيلة لتحقيق الكفاءة المنشودة في توزيع المخاطر) . تبادل المخاطر إذن هو الهدف من المشتقات، ولكن التساؤل المطروح هو: هل فعلا تحقق المشتقات الغرض المقصود منها؟ أم أنها تؤدي إلى نتائج عكسية؟ الأمر لا يعدو أن يكون محض افتراض نظري، نرجيء تفصيله لحين الحديث عن الجدل القائم حول جدوى ومشروعية المشتقات المالية بين الأوساط الاقتصادية والقانونية، وذلك في المطلب الثالث من هذه الورقة. المطلب الثاني: طبيعة المشتقات وأهم أدواتها بالمثال يتضح المقال، ولذا سنحاول فهم طبيعة المشتقات من خلال مثال واحد بسيط كالتالي: زيد يملك منزلا يرغب في بيعه، وسعره السوقي الآن هو 100.000$ مثلا، وأما عمرو فإنه يرغب في شراء المنزل، غير أنه لا يقدر على تسديد ثمنه فورا، فتقدم إلى زيد بعرض مضمونه: دفع 2.000$ لزيد مقابل أن يعطيه الحق في شراء المنزل بنفس السعر( أي 100.000) لمدة 90 يوما، فعلى افتراض قبول زيد للعرض المقدم من عمرو ما ذا يترتب على ذلك: - عمرو له الحق في الاختيار بين شراء منزل زيد بـ 100.000$ وعدمه خلال 90 يوما. - زيد لا يحق له بيع منزله لأي شخص آخر خلال 90 يوما، مقابل حصوله على 2.000$. فإذا ارتفعت أسعار العقارات، وأصبح السعر السوقي لمنزل زيد 150.000$ مثلا، فعمرو سوف يختار خيار التنفيذ ويشتري المنزل، ويكون قد ربح 50.000$ وإذا طرحنا منها المبلغ الذي دفعه لزيد مقابل الخيار وهو 2.000$ يكون صافي ربحه كالتالي: 50.000- 2.000= 48.000$. ولكن لو أن عمرا وجد منزلا آخر أفضل من منزل زيد أو مماثل له بنفس السعر، أو هبطت أسعار العقارات، فأصبح السعر السوقي لمنزل زيد أقل من السعر المذكور، كأن يكون مثلا: 80.000$، فيترتب على هذه الحالة: - عمرو لن يشتري منزل زيد، ويخسر من ذلك 2.000$ التي دفعها مقابل حصوله على الخيار. - زيد سيربح 2.000$، وبعد انتهاء مدة الخيار يستطيع الحبث عن شخص آخر يبيع له المنزل. فيلاحظ: أنه لا يمكن أن يربح زيد وعمرو في آن واحد في هذه الصفقة، فكلما حقق عمرو ربحا تكبد زيد خسارة، والعكس صحيح. أعتقد أن مصطلح "اللعبة أو المباراة الصفرية" الذي توصف به المشتقات أصبح واضحا، يقول الدكتور السويلم:( تتكاد تتفق وجهات نظر المختصين من الفريقين ( المؤيدين والمعارضين) على أن المشتقات بطبيعتها مبادلة صفرية، حيث ما يربحه أحد الطرفين هو ما يخسره الطرف الآخر... يصرح آلان جرنسبان – الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وأحد أبرز المؤيدين للمشتقات بقوله:" المشتقات من حيث العموم لعبة صفرية حيث تعد الخسارة في القيمة السوقية لأحد الطرفين هي الربح السوقي للطرف الآخر" ) . وعليه، فإن المشتقات لا تعد مبادلة حقيقية؛ لأنها لا يراد بها نقل ملكية الأصل محل الاشتقاق، بل يقتصر الأمر في الغالب الأعم على تسوية فروقات الأسعار عند نهاية العقد، على سبيل المثال في سوق المستقبليات نجد أن 99% من العقود يتم تسويتها قبل حلول الأجل؛ ولذلك نجد هيئة الخدمات المالية البريطانية تعرف المشتقات بأنها: " عقود على الفروقات contracts for differences" . ولتتضح الصورة أكثر يتناول الباحث أهم أدوات المشتقات المالية، محاولا توضيح كيف تستعمل هذه الأدوات، وذلك بالتفصيل المناسب لحجم هذه الورقة. أهم أدوات المشتقات المالية: أولا: العقود الآجلة Forward Contracts وهي مشتقة بسيطة أي أنها:( اتفاق على شراء أو بيع أصل في وقت مستقبلي معين مقابل سعر معين) . فالعقد الآجل بهذا المفهوم عبارة عن اتفاقية - غالبا تكون- بين مؤسستين لتسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلا، وبسعر محدد يسمى سعر التنفيذ، ويتحدد في العقد عادة مواصفات الأصل كدرجة الجودة، أو التصنيف، أو الكمية وطريقة التسليم ومكانه، والسعر وطريقة السداد، حيث يتم التفاوض على جميع هذه الأمور بين البائع والمشتري . لماذا يلجأ المستثمر إلى العقود الآجلة؟ تسخدم العقود الآجلة للوقاية من تقلبات الأسعار السوقية، ولتقليل المخاطر من تذبذب أسعار صرف العملات، ويتخذ أحد الطرفين مركزا طويلا ويوافق على شراء أو بيع الأصل محل العقد في تاريخ مستقبلي محدد مقابل سعر محدد تم الاتفاق عليه، وأما الطرف الآخر فيتخذ مركزا قصيرا ويوافق على شراء أو بيع الأصل مقابل نفس السعر، وفي نفس التاريخ. ويلاحظ أن صاحب المركز القصير دائما هو الملزَم بتنفيذ الصفقة في حالة ما إذا اختار صاحب المركز الطويل ممارسة حقه في تنفيذ الخيار الذي حصل عليه من قبل صاحب المركز القصير مقابل عمولة أو ثمن معين يدفعه له، ويسمى ثمن الخيار أو عمولة الخيار. وللإيضاح نضرب مثالا: إذا قامت الشركة(أ) ببيع على الحساب إلى الشركة(ب) في دولة أخرى على أن يقبض الثمن بعد ستة أشهر مثلا، بالعملة الأجنبية، وتوقعت (أ) انخفاض قيمة العملة الأجنبية مستقبلا، فإن بإمكانها أن تبيع العملة الأجنبية هذه من خلال السوق بسعر صرف يتم الاتفاق عليه آنيا، على أن يتم التسليم بعد ستة أشهر، وبذلك فإن أي انخفاض في قيمة العملة الأجنبية لن يؤثر على صافي المبلغ الذي سوف تقبضه بالعملة المحلية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العقود تصمم ليجري تداولها في الأسواق غير النظامية ، وهي ذات شبه كبير بالمستقبليات، وسيشار إلى ذلك قريبا. ثانيا: المستقبليات Future Contracts عقود نمطية، أي ذات مواصفات موحدة ثابتة بحيث يسهل تداولها في السوق المالية ، وتأخذ صورة اتفاق بين طرفين على شراء أو بيع أصل معين في وقت معين في المستقبل، بسعر معين، ويتم تداولها في البورصات ( الأسواق المالية). ونلاحظ من هذا أن عقود المستقبليات تتميز بكونها نمطية متجانسة ومتماثلة ليسهل التعامل بها، كما أن التعامل بها يقتصر في الأسواق المالية المنظمة، التي تحدد مواصفاتها، وأوقات المتاجرة بها، ومواعيد التسليم والاستلام، وغير ذلك مما يضمن سهولة استخدام هذه العقود بشفافية ووضوح، وكذلك فإن الالتزام يتم مستقبلا بشروط تتم في الحال. "ومن أجل جعل التداول ممكنا تحدد البورصة سمات معيارية معينة للعقد، ونظرا لأن طرفي العقد قد لا يعرفان بعضهما البعض بالضرورة فإن البورصة توفر آلية تعطي كلا من الطرفين ضمانا بأن العقد سوف يحترم" . وبما أن أسعار العقود المستقبلية تتغير بشكل دائم يحتفظ في مؤسسة المقاصة بسجلات تبين أوضاع المتعاملين في نهاية كل يوم، فإذا كانت تحركات الأسعار قد أدت إلى زيادة حقوق الملكية في العقد فإن هذه الزيادة تسجل لصالح المتعامل ويستلمها نقداً, وبذلك يتحقق الربح والخسارة يومياً عند ارتفاع أو انخفاض الأسعار . وتجدر الإشارة إلى أن الأسواق المنظمة للمستقبليات الحديثة التي تهدف إلى التسوية على فروقات الأسعار دون التسليم نشأت في حقبة متأخرة، وليست ظاهرة قديمة في النشاط الاقتصادي، وأول سوق من هذا النوع حسب المصادر المدونة أسست في اليابان في عام 1730م وفي عام 1848م أسست هيئةُ التجارة في شيكاغو Chicago Board Trade أولَ سوق منظمة للمستقبليات في الغرب، ثم تتالت بعد ذلك في الولايات المتحدة، وفي العالم . الفرق بين المستقبليات والعقود الآجلة : تتفق العقود الآجلة والعقود المستقبلية من حيث أنها تتعلق بتسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلا وبسعر محدد سلفا, إلا أنها تختلف فيما بينها في عدة أمور: 1- العقود الآجلة تحدد شروطها باتفاق وتراضي الطرفين أما المستقبليات فإنها عقود نمطية موحدة من حيث قيمتها وتواريخ التسليم. 2- العقود الآجلة تتم بين طرفين البائع والمشتري أما المستقبلية فإنـها تكون بين ثلاثة أطراف بين مؤسسة التقاص والبائع ومؤسسة التقاص والمشتري. 3- في العقود الآجلة يحدد الهامش مرة واحدة يوم توقيع العقد, أما المستقبليات فيتم الاحتفاظ بهوامش متحركة لتعكس تحركات الأسعار. 4- في العقود الآجلة تتم تسوية العقد في تاريخ التسليم أو الاستحقاق أما المستقبليات فيمكن تسوية العقد في أي وقت قبل تاريخ الاستحقاق. 5- في العقود الآجلة يتحقق الربح والخسارة في تاريخ التسليم أما المستقبليات فيتحقق الربح أو الخسارة يومياً عند ارتفاع أو انخفاض الأسعار. وأخيرا فإن المستقبليات يمكن أن تنعقد على كل ما يمكن تصوره، كالأسهم والسندات، وحتى المؤشرات والتقلبات، وسائر ما يتصور، ولا يقصد منها غالبا التسليم، وإنما تتم التسوية على فروقات الأسعار غالبا. ثالثا: عقود الخيارات Contracts Options وهي عبارة عن اتفاقية تعاقدية يمنح بموجبها البائع ( مصدر الخيار) الحق وليس الالتزام للمشتري (المكتتب بالخيار) لبيع أو شراء عملة أو بضاعة أو أداة مالية بسعر محدد سلفا، في تاريخ مستقبلي محدد أو في أي وقت خلال الفترة المنتهية في ذلك التاريخ. وقد تم تداول عقود الخيارات للأسهم أول مرة في بورصة منظمة عام 1973م وقد اطلق عليها: سوق شيكاغو للخيارات Chicago Board Options Exchange وقد عملت هذه السوق على إدخال تعديلات جوهرية على أسس التعامل في السوق غير المنظمة التي كانت موجودة في فترة سابقة، حيث كان التعامل بالخيارات بهدف المجازفة على الأسعار شائعا في أمستردام في القرن السابع عشر الميلادي، وقد أصبح التعامل بالخيارات بسبب هذه الإجراءات والتعديلات أكثر سهولة وسرعة، ويذكر هنا أن السماح بخيار البيع تأخر لغاية سنة 1977م، ولم ينتشر التعامل بالخيارات خارج الولايات المتحدة إلا في عقد الثمانينات . أنواع الخيارات: تستخدم أنواع عديدة من الخيارات غير أن أهمها نوعان، يمكننا استخلاصهما من التعريف السابق وهما: النوع الأول: خيار الطلب أو الشراء Call Option وهو اتفاق يعطي لحامله الحق وليس الإجبار في شراء أصل معين، بسعر محدد خلال فترة محددة غالبا ما تكون تسعين يوما، ويطلق على الرسوم التي يدفعها مالك الخيار لمصدره "ثمن الخيار أو عمولة الخيار" وصاحب هذا الخيار هو الذي يتخذ المركز الطويل في العملية، وهو إما يلجأ إلى اقتناء هذا الخيار للتحوط من مخاطر قادمة، وإما للمضاربة حيث يتوقع ارتفاع قيمة الأصل محل العقد خلال فترة الخيار، وبحسب أداء الأصل يكون الربح أو الخسارة، فإن كان توقعه في محله أقدم على تنفيذ الخيار، وإلا أحجم، وخسر العمولة التي دفعها لبائع الخيار، وقد يكون في حالة لا ربح فيها ولا خسارة إذا كان السعر السوقي للأصل محل العقد في تاريخ التنفيذ يغطي فقط العمولة التي دفعها، فهنا سيقدم على ممارسة حقه لاسترداد – على الأقل – ما دفعه مقابل الخيار. النوع الثاني: خيار العرض، أو الدفع Put Option وهو على العكس من سابقه فهنا حامل الخيار يحق له بيع عدد معين من أصوله بسعر محدد خلال فترة محددة، وقد يلجأ على هذا لتوقعه مثلا هبوط قيمة الأصل محل العقد، فيتحوط من ذلك بشراء خيار بيع، بعمولة يدفعها لبائع الخيار، فإذا كان توقعه في محله أقدم على بيع الأصل وتنفيذ الخيار، وإلا أحجم، وذلك في حالة ما إذا ارتفعت القيمة السوقية للأصل في فترة الخيار. نلاحظ أن مشتري الخيار في كلتا الحالتين هو صاحب المركز الطويل، وبيده الخيار، إن شاء مارس حقه، وإن شاء لم يمارسه، بينما بائع الخيار يتخذ مركز قصيرا، ويكون مجبرا على التنفيذ في حال رغب المشتري في ممارسة حقه، ونستنتج من هذا أن توقعات بائع الخيار ومشتريه دائما في اتجاهين مختلفين تماما، ونتيجة لذلك فربح أحدهما خسارة للآخر، والعكس كذلك. طريقة ممارسة حق الخيار: يمكن ممارسة حق عقود الخيارات من خلال واحدة من ثلاث طرق: 1- الخيار الأمريكي، حيث يمكن أن يمارس في أي وقت حتى تاريخ انتهاء الصلاحية. 2- الخيار الأوروبي، يمكن أن يمارس فقط في تاريخ انتهاء الصلاحية. 3- الخيار الأوروأمريكي ، أو طريقة برمودا، حيث يتم وضع عدة محطات محددة يمكن فيها تنفيذ الخيار . ويلاحظ أن الخيار الأمريكي أكثر مرونة، ولذا يتم تداوله بصورة أوسع من الأوروبي في مختلف الأسواق العالمية. أرجو أن يكون ما تقدم من الحديث حول المشتقات وأهم أدواتها، أداة مساعدة على تكوين فهم، أو صورة عامة عن موضوع البحث، وسيكون بيان الجدل القائم حول هذه الأدوات من الناحية القانونية والاقتصادية ختام المبحث الأول من هذه الورقة، وبداية لتناول الجانب الشرعي، ووجهة النظر الإسلامية في المبحث الثاني. المطلب الثالث: الجدل حول المشتقات المالية: وكأي فكر أو ابتكار جديد على الناس فمن الطبيعي أن يوجد هناك من يدافع عنه، وينافح، ويحاول إبراز محاسنه وإيجابياته، ويوجد في الطرف الآخر من ينتقد هذا الفكر ويحاول إظهار مساوئه وسلبياته، الأمر نفسه حدث مع المشتقات المالية، فمنذ أن ظهرت حوالي 150 عاما كابتكار جديد في عالم المال والأعمال، لاقت استحسانا وقبولا كبيرا لدى طائفة من رجال الاقتصاد والقانون، الذين اعتبروا أن عقود المشتقات تعد ابتكارا ماليا جديرا بالتقدير والقبول، لكونها أدوات مالية فعالة لتبادل المخاطر بصورة كفؤة حيث يرى هؤلاء أن المشتقات توفر إمكانية تحقيق مكاسب ربحية لمن لديه الرغبة والقدرة على تحمل المخاطر، فيما يتفرغ الطرف الأقل قدرة للعملية الإنتاجية، ومن ثم تسهم المشتقات في رفع الإنتاجية، وتعزز مستوى الرفاه الاقتصادي، ويتبنى هذا الموقف عموما الذين يؤمنون بكفاءة السوق، وأن ما يتراضى عليه الأطراف الاقتصادية فإنه من ثم يحقق المصلحة الكلية . وفي الجهة الأخرى هناك عدد كبير من المهتمين في الحقل القانوني والاقتصادي ينفرون من المشتقات المالية، ويصفونها بأنها أسلحة مالية للدمار الشامل، أو قنابل موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة، أو أدوات للقمار والرهان في أسواق هي أشبه بالكازينوهات التي تمارس في "مونت كارلو أو لاس فيجاس"، إذ لا تسليم ولا تسلم فيها، بل هي تسوية نقدية على فروقات الأسعار . ويُذكر أن إحدى المحاكم الأمريكية قضت ببطلان هذه العقود، وهاجمتها بشدة، واعتبرتها جريمة بحق الدولة والدين والأخلاق، وبسبب تأثيرها السلبي انقلبت قوانين العرض والطلب، وأصبحت السوق تخضع لحجم الأموال لتي يتحكم فيها المجازفون . ويعزو كثير من المحللين العاصفة المالية، التي هددت الكيان الاقتصادي العالمي بالانهيار التام، وقضت على كثير من الممالك والإمبراطوريات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وسحبتها من سجل الأحياء إلى سجل الأموات في مقبرة التاريخ، إنها الأزمة المالية العالمية التي مازالت أصداؤها المرعبة تتردد في مسامع الجميع، هذه الأزمة برأي الكثير من المحللين والمختصين تقف المشتقات المالية وراءها، فما هي إلا بعض الأعراض الجانبية لهذا السم الناقع، وأما الموت المحتم فقادم إن لم ينتبه العقلاء في العالم، ويتخذوا الإجراءات اللازمة لتفادي المصير الأسود الذي تخبئه المشتقات والتوسع فيها للاقتصاد العالمي. وكتب أحدهم قبل أيام في أحد المواقع الالكترونية يصف فيه المشتقات المالية بأنها سامة، فيقول:( في أوقات مثل هذه اترك حيزا للتفكير في بائعي المشتقات، لقد كان من الواضح منذ فترة من الزمن أن سلعهم يمكن أن تثبت أنها سامة، لكن لا بد أن الأمر مثبط للشياطين التعساء من حيث إنه في كل مرة تفتح فيها هوة جديدة في المشهد المالي تكون المشتقات في أسفلها، والأكثر وضوحا أن الضرر الذي ابتليت به البنوك الاستثمارية كان سببه المشتقات) . هذه إذن لفتة عاجلة خاطفة حول واقع هذه المنتجات المالية في بيئتها التي نشأت فيها وترعرعت، أسلحة مالية للدمار الشامل، قنابل موقوتة، مواد سامة، سبب للمشاكل والأزمات الاقتصادية، هذه أوصافها في أهلها وأقاربها الذين نشأت وتربت بينهم، ولكن يا تُرى ما هو موقف الشرع الإسلامي، وما هي وجهة نظر العلماء المسلمين في هذه الأدوات؟ هذا ما سنحاول إبراز بعض جوانبه من خلال المبحث الثاني من هذه الورقة. والله ولي التوفيق. المبحث الثاني: الاشتقاق المالي من منظور شرعي بعد استعراض ما أمكن حول المشتقات المالية، وأهم أدواتها التي يجري التعامل بها اليوم، والتطرق للجدل القائم حولها، ومدى تحقيقها للأهداف الاقتصادية التي يفترض أن تكون وسيلة لها، وذلك من وجهة النظر القانونية، والاقتصادية البحتة، فسيتطرق الباحث في هذا المبحث لبيان وجهة النظر الإسلامية في الاشتقاق المالي، من خلال بيان أهم المبادئ أو الضوابط التي يجب الالتزام بها في عملية الاشتقاق المالي، حتى يكون المشتق مقبولا شرعا، ويؤدي وظيفته الاقتصادية، ثم يتطرق للحديث عن أصول المحرمات في المعاملات المالية، وأخيرا ومن خلال مراعاة الضوابط المشار إليها، والتعرف على أصول المحرمات يتمكن الباحث من استخلاص وجهة النظر الشرعية من المشتقات المالية التقليدية التي تقدم الحديث عنها في المبحث الأول من هذه الورقة، فينتظم بذلك هذا المبحث في مطالب ثلاثة. المطلب الأول: المبادئ أو الضوابط الشرعية للاشتقاق المالي. إن الاقتصادي المسلم ليس كأي اقتصادي آخر، فهو عندما ينطلق نحو الابتكار والتطوير والتجديد، وعندما يتعرض لتحليل ودراسة ظاهرة اقتصادية معينة، بل في كل سلوكه ونشاطه اليومي، ينطلق من كونه إنسانا له رسالة عظيمة، و هو في الوقت ذاته محكوم ومقيد بجملة من المبادئ السامية، وهو يسير في ظلال التوجيهات الربانية، ووفق خطوط واضحة رسمتها الشريعة الإسلامية التي ينتمي إليها، وبالتالي يتخذ موافقة ومخالفة هذه الشريعة معيارا ومقياسا لقيمة أي إنتاج يقوم به، فما كان متماشيا معها تمسك به وانتفع به، وماكان مخالفا لها ضرب به عرض الحائط، إذ يعلم يقينا أن لا فائدة منه ما دام مناقضا لتوجيهات هذه الشريعة. هكذا يجب أن يكون الاقتصادي المسلم، والشريعة الإسلامية بدورها لم تضيق الخناق على الناس، بل فتحت لهم مجال الابتكار والتجديد، وشجعت عليه (مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ) ولكنها في الوقت نفسه حدت حدودا، ورسمت خطوطا يجب أن يكون التحرك والنشاط داخلها، وأي خروج عنها، أو مجاوزة لتلك الحدود يعتبر مخالفة يخشى على مرتكبها بقدر ابتعاده عن المنهج المرسوم، ومن هنا يحاول الباحث استشراف أهم الضوابط التي تحكم عملية الابتكار أو التطوير المالي، والشروط التي يجب توفرها في نتيجة ذلك الابتكار والتطوير حتى تكون مقبولة في شريعة الإسلام. لقد حدد الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم أربعة مبادئ أساسية للهندسة المالية الإسلامية، اثنان يتعلقان بالأهداف وهما: مبدأ التوازن، ومبدأ التكامل، واثنان بالمنهجية وهما: مبدأ الحل، ومبدأ المناسبة . وفي رأي الباحث يمكن اعتبار هذه المبادئ ضوابط يمكن أن تحكم أي عملية ابتكار أو تطوير مالي، وعن طريقها يمكن تقويم المنتجات المالية للوقوف على مدى موافقتها ومخالفتها للقواعد العامة للشريعة، وبالتأمل في هذه الضوابط أو المبادئ الأربعة يمكن القول أنها نتاج نظر عميق، ودراسة لنصوص وقواعد الشريعة العامة، وليس تناول الباحث هنا لهذه المبادئ إلا من باب إثارة رغبة المهتمين في دراسة الموضوع بشكل أكبر، وإلا فكل مبدأ من هذه المبادئ يمكن أن يفرد له بحث خاص، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك المقدور عليه. أولا: التوازن، يرجع هذا المبدأ إلى ما تقرر سلفا من أن الشريعة الإسلامية امتازت عن غيرها من التشريعات، والقوانين بقدرتها وتمكنها من التوفيق بين كافة الثنائيات التي تسود الحياة، ما بين المادة والروح، المصالح الخاصة والمصالح العامة، تحقيق الربح والعمل الخيري، المنافسة والتعاون.. وعليه، يجب أن يكون كل ابتكار أو تجديد مالي مراعيا لهذا المبدأ، ومحافظا عليه، ولتقويم أي منتج مالي جديد يجب الأخذ بعين الاعتبار مدى تحقيقه لهذا التوازن، فإن تحقق فيه التوازن والتوفيق على النحو الذي ذكر، بأن كان مثلا موازنا ومراعيا لمصلحة الطرفين المتعاقدين، أو كان مراعيا لمصلحة الفرد ومصلحة الجماعة في آن واحد، فإن ذلك مؤشر إيجابي يساهم في قبوله بعد النظر في الجوانب الأخرى ذات العلاقة. ويتطلب هذا المبدأ وجود العدالة في تحمل كل من طرفي العقد لالتزاماته مقابل الحصول على حقوقه، فلا ينبغي أن يتحمل طرف التزامات الطرف الآخر ولا ينتقص من حقوقه، ويجب كذلك مراعاة الالتزام بالشروط فالمسلمون عند شروطهم، وموجب ذلك كله الى حكمة الشريعة ورغبتها في قطع الطريق على النزاع والخصومة، ومن أمثلة ذلك اشتراط الزيادة في القرض إلى أجل أو الغرر والجهالة في المبيع أو الثمن أو الأجل، وكل شرط أو عرف من شأنه أن يخالف مقتضى العقد –على تفصيل-. ثانيا: التكامل، التكامل بين التفضيلات الشخصية والاعتبارات الموضوعية، بين تفضيلات الزمن والمخاطرة، وبين توليد الثروة الحقيقية، فالربا عزل لتفضيلات الزمن عن توليد الثروة، بينما الغرر عزل لتلك المتعلقة بالمخاطر، وحيث إن الزمن والخطر وجهان لعملة واحدة لم يكن غريبا أن تأتي الشريعة الإسلامية بتحريم الأمرين معا . فالتكامل بمعناه الذي يعني عدم العزل أو الفصل بين ما يجب أن يكون مترابطا ليؤدي وظيفة مهمة مبدأ أصيل، يجب أن يراعى في عملية الابتكار والتطوير المالي، وأي جنوح إلى جانب الفصل يؤدي إلى نتائج غير محمودة، وعندما تقرر الشريعة الإسلامية تحريم الفصل بين الزمن أو المخاطرة عن النشاط الحقيقي لتوليد الثروة فإن ذلك عين الحكمة والصواب، فالزمن له قيمة في أي نشاط اقتصادي، (( وتحريم الفائدة على رأس المال لا يستبعد قيمة الزمن ما دام أن هذه القيمة تعتمد على ما نعمله في هذا الزمن، فجواز الربح في التجارة والصناعة والأجرة في السلع القيمية إنما يعني أخذ قيمة الزمن في الحسبان )) . ونجد فصل الزمن عن توليد الثروة في الربا يجلب كوارث ومصايب تتمثل في الآثار السلبية للربا، وكذلك عندما يتم الفصل بين النشاط الحقيقي المولد للثروة والمخاطرة التي لا تنفك عنه نقع في مشاكل المشتقات المالية التقليدية، التي تقوم على فصل المخاطر عن الملكية الحقيقية، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف القطاع المالي عن القطاع الحقيقي . ثالثا: الحِل، و أما هذا المبدأ أو الضابط -سمه ما شئت- فالمقصود به هنا تقرير أو تأكيد ما قرره فقهاء الشريعة من أن الأصل في المعاملات الحل، ( فلا يحظر منها إلا ما يبين الدليل منعه، فإذا تبين المنع فهي محظورة غير مباحة وإذا لم يوجد دليل منع فلا نحتاج إلى دليل إباحة ) . ووجه ذكر هذا المبدأ في هذا السياق يتبين من أن أي باحث في أي مجال من المجالات لا بد له من منهج يضبط نشاطه، ويبين له المنطلقات التي ينطلق منها، والدائرة التي يتحرك داخلها، حتى لا يتسم عمله بالعشوائية، ويتيه في متاهات قد يقضي عمره فيها دون الوصول إلى نتيجة ذات قيمة، وهذا المبدأ ( مبدأ الحِل) يحدد للباحث المسلم في مجال الابتكار والتطوير المالي الأسس والمنطلقات التي يجب الانطلاق منها، فيقرر له ابتداء أن الأصل في المعاملات الحِل، وذلك يقتضي أن يكون الاعتناء والاهتمام بالبحث في أصول المحرمات التي تقضي قاعدة الحل السابقة بمحدوديتها، فإذا اجتنبت المحرمات بمراعاة الضوابط الشرعية فالمنتج المالي الذي يتوصل إليه الباحث يكون مباحا بناء على هذه القاعدة. رابعا: المناسبة، المناسبة هنا تعني تناسب العقد والهدف المقصود منه، بحيث يكون العقد مناسبا وملائما للنتيجة المطلوبة من المعاملة، وهذا يعني أنه لا بد من ملاءمة الشكل مع المضمون، وتوافق الوسائل مع المقاصد، فالصورة وحدها لا تكفي لتقويم المنتج المالي، كما أن الهدف لا يكفي وحده، فالغاية لا تبرر الوسيلة، كما أن الوسيلة لا تكفي لتبرير الغاية بل لا بد من جواز الأمرين معا . في كل عملية ابتكار أو تطوير مالي يجب علينا أن ندرك ونراعي ضرورة التناسب والتوافق بين صورة أو شكل المنتج الذي نبتكره، وبين الهدف والغاية التي نتوخاها منه، وبذلك نحمي أنفسنا وابتكاراتنا من الوقوع في معايب "الصورية" المحظورة في العقود حين تكون النتيجة غير مشروعة، كما ندرأ بأنفسنا كذلك عن السقوط في شر تبرير الوسائل بالغايات حين تكون النتيجة مشروعة لكن الوسيلة غير مشروعة، فيجب أن تكون الوسيلة والغاية مشروعتين معا، كما يجب أن يكون الشكل والمضمون مشروعين. "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني" و " الوسائل لها أحكام الغايات" هاتان قاعدتان معروفتان، ومبدأ المناسبة يرجع إليهما، ويستمد قوته منهما، وعليه يمكن القول بأن تقويم أي منتج مالي يجب أن يمر بمرحلتين: أولا: النظر في الهدف والغاية من المنتج، فإن كانت مقبولة فينظر حينئذ في الإجراءات فإن لم تكن مقبولة فالمنتج ابتداء غير مقبول. ثانيا: النظر في الإجراءات التعاقدية فإن كانت صحيحة كان المنتج مقبولا، وإلا لزم مراجعة الإجراءات . هذه المبادئ الأربعة السالفة تشكل مجموعة من الضوابط التي تحكم عملية الابتكار والتطوير المالي بشكل عام، فمن ناحية تقدم صورة عن الأهداف التي ينبغي أن تكون عملية الابتكار والتطوير ساعية لتحقيقها، ومن ناحية أخرى تبين المنهج الذي يجب اتباعه في ذلك، وعليه ينبغي أيضا مراعاتها في الاشتقاق المالي، الذي هو محور حديثنا، وبذلك نمتلك القدرة على تقويم منتجاتنا والتعرف على وجهة النظر الشرعية في كافة المنتجات المالية المستخدمة اليوم في الأسواق المالية، ولا يفوتني التذكير بأن ما تقدم من الحديث حول هذه المبادئ يهدف بالدرجة الأولى إلى إثارة الرغبة والشهية في تناول هذه المبادئ ودراستها بصورة أعمق، وربما تسنح الفرصة للباحث في إفرادها ببحث أوسع من هذه الورقة.. المطلب الثاني: أصول المحرمات في المعاملات المالية تكاد تتفق كلمة فقهاء الشريعة قديما وحديثا على أن جميع المحرمات في باب المعاملات المالية يرجع سبب حظرها وتحريمها إلى اشتمالها على أحد أمرين اثنين، هما: الربا والغرر، وماعداهما من الأمور التي يمكن أن تكون سببا في تحريم معاملة من المعاملات كالظلم والجهالة والميسر والغبن والغش وغير ذلك فإنه بعد التمحيص والتأمل فيه يمكن إرجاعه إما إلى الربا، وإما إلى الغرر ، وهذه لمحة بسيطة عنهما: أولا: الربا يعد موضوع الربا في المعاملات المالية من المواضيع التي أشبعت بحثا ودراسة من قبل الفقهاء والاقتصاديين في آن واحد، والمكاتب المختلفة زاخرة بمؤلفاتهم، وكتبهم، وأطروحاتهم، وفتاواهم... في ذلك. ما سأسجله هنا عن الربا إن هو إلا استحضار لبعض الأساسيات في هذا الموضوع تكميلا وتوضيحا للضوابط السالفة الذكر، فما الربا، وما أنواعه، وما دليل تحريمه؟ يعرف الربا بأنه "فضل خال عن عوض شرط لأحد العاقدين" ، أو "فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال" . أو "كل زيادة في الدين في نظير الأجل" ، إنه تلك الزيادة المحرمة التي يأخذها المرابي – ظلما وعدوانا- من المقترض، إنه الفائدة على رأس المال. وأما أنواعه فهي: 1- ربا الفضل، وهو الزيادة عن مال في عقد بالمعيار الشرعي من الوزن أو الكيل، أو هو بيع مال ربوي بمثله مع زيادة في أحد المثلين، والمراد بالمال الربوي ما يجري فيه حكم ربا الفضل من الأشياء، وقد نص الحديث على تحريم الربا في ستة أشياء هي: الذهب، والفضة، والبر (القمح) والشعير، والتمر، والملح، وتقاس عليها عند الجمهور أنواع أخرى بتوافر العلة، وهي كون الشيء موقوتا، أو كونه مطعوما، أو كونه مكيلا أو موزونا، حسب اختلاف الفقهاء. 2- ربا النسيئة أو النساء، وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير تأجيل الثمن بعد حلول أجله، وتسمى هذه العملية: جدولة الدين، وكان الدائن في الجاهلية يقول للمدين: زدني أنظرك.. ودليل التحريم قوله تعالى:(( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)) البقرة الآية 280، وقوله:(( فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)) البقرة الآية 279. 3- ربا القرض، وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها المقرض من المقترض، والأصل أن القرض يرد بمثله، وكل قرض جر نفعا نقديا أو عينيا فهذا النفع فائدة ربوية محرمة، ومن الربا المحرم الفوائد البنكية التي تدفعها البنوك التقليدية على الإيداعات، وكذلك الفوائد التي يدفعها الحاصلون على قروض من تلك البنوك . ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾ البقرة ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ)) أي زجر أوقع في نفس المؤمن من هذا، فأي وعيد أشد وأخطر من حرب أعلنها العزيز القدير، وأية رحمة ترجى لمن لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأي عذاب أنكى من الذي ينتظر آكل الربا!!!! وما الربا؟ لم يكن نظام الفائدة الذي هو الربا حراما في الإسلام وحده من بين الديانات السماوية، بل إن الديانتين السابقتين على الإسلام قد صرح بالتحريم فيهما، فهو محرم في التوراة والإنجيل، والقرآن . ولا غرو فالمصايب، والكوارث التي يجلبها الربا - بما يشتمل عليه من ظلم وأكل لأموال الناس بغير حق- ليست خاصة بمكان دون آخر ولا زمان دون آخر، ولذا كان من الطبيعي أن تتفق الشرائع السماوية على تحريمه، وحظر التعامل به على مر العصور، واختلاف الأمصار والأقطار. والربا بلاء هذا العصر، وآفته تظهر آثارها جلية في الشره الذي يخيم على نفوس المرابين، ويدفعهم لممارسة شتى الحيل والمكايد لأكل أموال الخلق بغير حق، والربا داء عضال إذا استشرى في جسد أي نظام اقتصادي فمآله إلى الانهيار إن عاجلا أو آجلا، والكوارث والزلازل التي هزت الكيانات الاقتصادية العالمية، وقضت على كثير منها على فترات من الزمن إنما هي صفارات إنذار تسبق القصف المدمر الذي لا يبقي ولا يذر إن لم تنتبه البشرية وتثوب إلى رشدها، وتقلع عن غيها، فتترك التعامل بالربا. ثانيا: الغرر الغرر و الخطر يدلان على معنى واحد في الإطلاق اللغوي، الغرر فيه معنى الخداع والتضليل فيقال: غره إذا خدعه، وأطمعه بالباطل ، والخطر فيه معنى الاضطراب والحركة، وعدم التأكد غالبا، وقد يؤدي إلى الضرر . والغرر اصطلاحا: ما يكون مجهول العاقبة، لا يدرى أيكون أم لا ، أو هو كل بيع كان المعقود عليه فيه مجهولا، أو معجوزا عنه غير مقدور عليه ، أو هو كل بيع دخلته الجهالة سواء أكانت في الثمن أم في المبيع، أم في الأجل، أم في القدرة على التسليم . و"يستفاد من كلام مالك رحمه الله تعالى أن الغرر مخاطرة وميسر وقمار بين البائع والمشتري وجهل بحال المعقود عليه" ومن أحسن تعاريف الغرر ( أنه ما يكون مستور العاقية) وهو بهذا التعريف يكون شاملا لما لا يدرى حصوله، وللمجهول، وعلى هذا التعريف أكثر الفقهاء . الغرر في الفقه الإسلامي مفهوم واسع جدا كما يلاحظ ذلك من تعريفات الفقهاء المختلفة، فهو يتضمن معنى القمار والميسر، والجهل بالعاقبة، والنتيجة النهائية، كما أن فيه معنى الخداع والتضليل بالصورة والظاهر في حين يكون الباطن غير مرغوب فيه، ولذا قرر العلماء أن معظم المنهيات في باب المعاملات المالية ترجع علة النهي عنها في النهاية إلى ما تشتمل عليه من الغرر، أو الربا كما تقدم. جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)) ، يعد هذا الحديث الأصل في النهي عن بيوع الغرر، وبطلان كل بيع فيه غرر. فالبيع الذي يكون فيه المعقود عليه مجهولا، غير محدد بالمحددات الشرعية التي تخرجه من دائرة المجهول، والبيع الآجل الذي يكون الأجل فيه مجهولا، والبيع الذي فيه خداع وغش لأحد المتعاقدين بحيث لو علم به قبل العقد لم يقدم على إتمام الصفقة، والميسر والقمار، وبيع المعدوم وبيع ما لا يملك وما ليس عنده، كلها بيوع فيها غرر فهي محرمة غير مشروعة إلا ما استثنته الشريعة كبيع السلم المستثنى من بيع المعدوم و”ما ليس عنده" بالشروط والقيود التي تخرجه من أن يكون من مطلق المعدوم. إذا علم هذا فيجب أن يعلم كذلك أن الغرر لا تكاد تخلو منه معاملة من المعاملات، ولذا جاءت الشريعة باستثناءات متعددة تجيز بعض البيوع التي تتضمن غررا، ولم تبطل كل بيع أو معاملة فيها غرر إذ إن إبطال كل بيع مع الغرر قليله وكثيره يُعدُّ سدا لباب البيع جملة وهو ضروري، وفي المنع منه – أي البيع – مشقة، والشريعة شاهدة بمنع الحرج والمشقة من جهة، ومن جهة أخرى فإن أصل البيع ضروري أو حاجي، ونفي الغرر مكمل له وقد شهدت النصوص بأن المصلحة المكملة إذا عادت على الأصل بالبطلان أهملت.. ضابط الغرر : ليس من الميسور تحديد الغرر وضبطه بشكل تام، ولكن العلماء وضعوا ضابطا للغرر الذي له تاثير في العقد والذي لا يؤثر في صحة العقد، فأما النوع الأول الذي إذا خالط العقد أدى إلى بطلانه فضابطه: - أن يكون الغرر كثيرا - أن يكون في عقد من عقود المعاوضات المالية، على الرأي الراجح. - أن يكون في المعقود عليه أصالة. - ألا تدعو للعقد حاجة، وإذا تخلف شرط من هذه الشروط لم يكن للغرر تأثير ، وعليه يكون ضابط الغرر الذي لا يؤثر في صحة العقد كما يلي:  أن يكون الغرر حقيرا يسيرا،  أن تدعو حاجة إلى العقد  ألا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة. الفقهاء متفقون على هذه الشروط من حيث المبدأ، ولكنهم يختلفون أحيانا في كون الغرر كثيرا أو حقيرا، فمن رأى أن الغرر كثير قضى ببطلان العقد، ومن رأى الغرر يسيرا لم يجعل له تأثيرا في صحة العقد، وإلى هذا يرجع كثير من اختلافهم في بعض المسائل فيجيزها البعض ويمنعها آخرون بناء على اختلافهم في مقدار الغرر، ومثال ذلك بيع العين الغائبة على الصفة فيرى المالكية أن الغرر حقير وغير مقصود فيجيزونه، وفي المقابل يراه البعض كثيرا فيمنعون هذا البيع كالشافعية . المطلب الثالث: عقود المشتقات التقليدية في ميزان الفقه الإسلامي وفي هذا المطلب سوف يقوم الباحث بعرض أهم عقود المشتقات التقليدية على ميزان الفقه الإسلامي لاستكشاف وجهة النظر الإسلامية من هذه العقود، وبما أنه تقدم تعريف هذه العقود وبيان المقصود بها وكيف يجري التعامل بها في الأسواق المالية فسوف يكون الحديث هنا عن بيان الحكم الشرعي فقط على افتراض أن القارئ أصبح لديه تصور كاف عن طبيعة هذه الأدوات. أولا: العقود الآجلة، انقسم الذين تناولوا العقود الآجلة إلى فريقين: الفريق الأول: يذهب جمع من الباحثين إلى أن العقود الآجلة ليس فيها ما يحظرها ما دامت الأوراق المالية يجوز التعامل فيها، ويملك البائع الثمن، ويكون ملك المشتري للبيع بمجرد عقد البيع الصحيح ولا يتوقف على التقابض معتمدين في هذا الرأي على إجازة المالكية والحنابلة لاشتراط تأجيل الحق إلى مدة كما في حديث جابر – رضي الله عنه – من أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ قُلْتُ لَا ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ فَبِعْتُهُ فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي قَالَ مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ فَهُوَ مَالُكَ..) . كما استدلوا بأن هذه الأوراق المالية عبارة عن ديون لا تتعين بالتعيين وإنما تتحدد بالجنس والنوع كالأسهم.. هذا مجمل ما استند إليه القائلون بجواز التعامل بالعقود الآجلة، وسيرد الرد على هذه الأدلة من خلال استعراضنا لأدلة الفريق الثاني. الفريق الثاني: يرى الجمهور من الفقهاء والباحثين المعاصرين عدم جواز التعامل بالعقود الآجلة كما يجري التعامل بها اليوم في الأسواق المالية لتضافر الأدلة على تحريمها، ومن جملة ما يدل على القول بالتحريم ما يلي: - تأجيل البدلين أثناء العقد، فمن المعلوم أن كلا البدلين في هذه العقود يكون مؤجلا حيث يكون التسليم والتسلم في وقت مستقبلي – هذا إن كان هناك تسلم وتسليم أصلا إذ إن أغلب هذه العقود تتم تسويتها على فروقات الأسعار – كما أنها تعطي الحق للمتعاقدين في تأجيل موعد التصفية إلى موعد آخر وفي صلب العقد وهذا يجعل المدة مجهولة غير محددة فيدخل فيها الجهالة والغرر.. - فيها ربا؛ لأن دفع بدل التأجيل ربا ظاهر؛ لأنه هناك بيع دين حال بثمن مؤجل مع الزيادة، ولا فرق بينها وبين قول الدائن للمدين عند حلول الأجل: سدد وإلا فأرب. - تتضمن القمار؛ لأنها قائمة في الغالب الأعم على المضاربة على فروقات الأسعار وبذلك تدخل في الرهان الممنوع في الشريعة الإسلامية؛ ذلك لأن البائع في هذه العقود يراهن على هبوط السعر في اليوم المحدد، والمشتري يراهن على صعوده ومن يصدق تنبؤه يكسب الفرق، ولا شك أن القمار هنا واضح . - فيها ضرر؛ وذلك لأن هذه العقود استقر أنها مبادلة صفرية حيث ما يكسبه طرف يمثل خسارة الطرف الآخر، ولا شك أن الطرف الخاسر متضرر، والضرر يزال، ثم إن فيها كذلك خيار التنازل وما يترتب عليه حيث يعطي المشتري الحق في المطالبة بالتعجيل قبل الموعد المحدد. ويضيف البعض إن هذه العقود من العقود المضافة إلى الأجل وليس فيها ما يفيد التمليك في الحال، وصيغة العقد غير مؤدية لإحداث آثاره وأحكامه التي رتبها الشارع، وكانت غير محققة لهذا المقتضى . رأي المجامع الفقهية: لقد قرر مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة أن العقود الآجلة بأنواعها التي تجري على المكشوف أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعا لأنها تشتمل على بيع الإنسان ما لا يملك... وأن العقود الآجلة ليست من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية.. وجاء في القرار رقم 63 الصادر من مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412 الموافق 9 – 14 أيار (مايو) 1992م حول الأسواق المالية ما يلي: لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشترى لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملك البائع، ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض. • التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة: السلع: يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية: الطريقة الأولى: أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه، وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة. الطريقة الثانية: أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق. وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة. الطريقة الثالثة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم. وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة، فإذا استوفى شروط السلم جاز. وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها. الطريقة الرابعة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس. وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً. التعامل بالعملات: يتم التعامل بالعملات في الأسواق المنظمة بإحدى الطرق الأربع المذكورة في التعامل بالسلع، ولا يجوز شراء العملات وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة، أما الطريقتان الأولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة. التعامل بالمؤشر: المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق المالية، ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده . لقد تبين من هذا العرض أن القول بتحريم العقود الآجلة هو رأي الجمهور من علماء المسلمين، وقد أجابوا على شبهات الفريق الأول القائل بالجواز، وسرد تلك الردود يأخذ وقتا وصفحات أكثر من هذه الورقة، ولذا نكتفي بهذا القدر ولعل فيه كفاية. ثانيا: المستقبليات لقد تقدم تعريف العقود المستقبلية بأنها عقود تعطي لحاملها الحق في شراء أو بيع كمية من أصل معين ( قد يكون سلعة أو ورقة مالية ) بسعر محدد مسبقا على أن يتم التسليم والتسلم في وقت لاحق في المستقبل، وتقدمت الإشارة كذلك إلى التشابه الكبير بينها وبين العقود الآجلة وأن الفروق بينهما طفيفة، حتى أمكن إطلاق لفظ الآجلة ليشمل النوعين باعتبار أن كلا منهما متعلق بالمستقبل أيضا. وتأسيسا على ذلك يكون حكم المستقبليات في الشريعة هو التحريم، وذلك استنادا إلى جملة من الأدلة والمبررات منها: - في العقود المستقبلية يتم تأجيل الثمن والمثمن، ومعلوم عدم جواز ذلك؛ لأنه من بيع الدين بالدين المجمع على تحريمه. - ربا النسيئة، تشتمل العقود المستقبلية على ربا النسيئة، وذلك في حالة العقود المستقبلة على الذهب والفضة حيث إنها تباع بالنقود الورقية، والأخيرة تتفق مع الذهب والفضة في علة الربا وهي الثمنية في أصح أقوال العلماء . - تنتهي العقود المستقبلية غالبا بالتسوية النقدية، فإن كان ذلك مشروطا في العقد فهو عين القمار المحرم، لأن كل واحد من المتعاقدين لا ينفك عن أن يكون غانما أو غارما حسب تغيرات الأسعار.. وهذا هو القمار بعينه إذ لا يمكن بحال أن يغنم الطرفان معا، أو يغرما معا وإنما يقابل غنم أحدهما بغرم الآخر، والعكس كذلك وهو ما يسمى بالمباراة الصفرية حيث خسارة طرف هي ربح للطرف الآخر، والعكس صحيح.. وأما إذا لم تكن التسوية على فرق السعر مشروطة في العقد فهو كذلك نوع من القمار والميسر لأن البائع إذا لم يكن في نيته تسليم السلعة التي باعها، أو كان المشتري غير ناو تسلم السلعة التي اشتراها وإنما يريد كل منهما أن يقبض فرق السعر إن تغيرت الأسعار في صالحه أو يدفعه إن تغيرت في غير صالحه فقد دخل كل منهما في عقد بين غرره، متأكد خطره . - العقود في الشريعة لا بد أن تترتب عليها آثارها وفوائدها فور إبرامها وهذا إنما يتحقق بقبض العوضين في إثر العقد، أو بقبض أحدهما كما في السلم والبيع بالأجل، حيث ينتفع المشتري – في السلم – برخص الثمن وينتفع البائع بالثمن الذي يقبضه في مجلس العقد، ولا شك أن أيا من ذلك لا يتحقق في العقود المستقبلية لما فيها من تأجيل العوضين ، بل أن الأمر يتجاوز ذلك أحيانا عندما يكون العقد على شيء غير موجود في الحقيقة كمؤشرات الأسهم فالقمار هنا جلي لا غبار عليه. - تتضمن العقود المستقبلية بالإضافة إلى ما سبق بيانه مجموعة من مفسدات العقد، ففيها بيع الإنسان ما لا يملك، وما ليس عنده، والرهان المحرم بإجماع المسلمين، وفيها مفاسد اقتصادية جسيمة كما تقدمت الإشارة إليه لدى الحديث عن الجدل الاقتصادي حول المشتقات المالية، كل ذلك يجعل التعامل بهذه الأدوات محظورا من وجهة النظر الإسلامية، وكل من يحاول تبرير العمل بها بذكر ما يتوهم أنها مصالح أو فوائد، أو بأقيسة وتشبيهات متكلفة- كقياسها على بيع السلم- كل ذلك إنما هو محاولة لن تصمد أمام قوة الحجج والبراهين التي تقضي بمنع هذه العقود وتحريم التعامل بها كما يجري التعامل بها في الأسواق المالية اليوم. وأما رأي المجامع الفقهية فهو المنع والتحريم، كما تقدم في الحديث عن العقود الآجلة، حيث ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بيان الطرق الأربع التي يتم التعامل بها في الأسواق المالية، وبيان حرمة التعامل بالطريقتين الثالثة والرابعة، وهذه العقود تندرج في هاتين الطريقتين، كما قضى المجمع بتحريم التعامل بالمؤشر، وورد كذلك في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي منع التعامل بالعقود الآجلة بأنواعها كما يجري التعامل بها في الأسواق المالية ، وهذا الرأي هو رأي الجمهور من العلماء والباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي. ثالثا: الاختيارات عندما نحاول استقصاء الآراء المتباينة، ووجهات النظر المختلفة بين الذين تناولوا بيان حكم التعامل بعقود الخيارات فلا شك أن ذلك سيتطلب منا مزيدا من التفصيل والسرد، الأمر الذي لم نقصده ولم نخطط له في هذه الورقة، ولذا فسأكتفي بالنقاط المهمة في ذكر أدلة القائلين بالتحريم إجمالا، مع الإشارة إلى بعض شبه المجيزين، والله ولي التوفيق. ذهب كثير من الباحثين الذين تناولوا عقود الاختيارات إلى القول بتحريمها ، وكذلك المجامع الفقهية، حيث جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن الأسواق المالية ما يلي:( إن المقصود بعقود الاختيارات الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.. إن عقود الاختيارات – كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية – هي عقود مستحدثة لا تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة، وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه فإنه عقد غير جائز شرعاً، وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها) . ويتضح وجه التحريم من خلال بيان ما يلي: - التعامل في عقود الخيارات قائم على الغرر .. إذا كان الغرر هو ما كان مستورا أو مجهول العاقبة فإن ذلك متحقق في هذه العقود، ومصداق ذلك أن المتعاقدين على هذه العقود يدفعهم إلى ذلك مجرد توقعات غير مؤكدة، ولو أنهم متأكدون من النتيجة لما قامت للخيارات قائمة، فمشتري الخيار دافعه مجرد توقعه أن تتغير الأسعار في صالحه ليمارس حقه في التنفيذ، ولو حدث عكس ما توقع لم يقدم على ذلك، وكذلك البائع فإنه يتوقع تغير الأسعار في غير صالحه، ولو أنه توقع تغيرها لصالحه لم يقدم على بيع الخيار، وملخص القول أن كلا من المتعاقدين يجهل ما ستؤول إليه الأمور، ويبنون تعاملهم على التوقعات. - عقود الخيارات تتضمن القمار والميسر.. وذلك في الحالات التي تنتهي بالتسوية النقدية بين الطرفين .. ووجه تضمنها للقمار والميسر يتبين من أن كلا المتعاقدين متردد بين أن يكون غانما – إذا تغيرت الأسعار لصالحه – وبين أن يكون غارما – إذا تغيرت الأسعار في غير صالحه- يقول الشيخ محمد المختار السلامي:( إن أقرب شيء للاختيارات هو القمار، فكل مشتر لخيار بيع أو شراء يربط بتقلبات الأسواق إما لفائدته أو ضده، وفي بعض أحواله إضافة إلى القمار صرف مؤجل وتعمير ذمتين) . - ليس فيها تسلم ولا تسليم، ولا تحقق لأركان العقد فيها، وفيها اشتراط التنازل عن جزء من المال دون أن تربطه بضرر فعلي محقق .. غالبا ما تنتهي هذه العقود بالتسوية على فروق الأسعار دون أن يكون هناك تسلم ولا تسليم، إذ لا توجد أصلا رغبة من المتعاقدين في ذلك، وعلى افتراض وجودها فقد يكون التسلم أو التسليم مستحيلا أحيانا عندما يكون العقد – مثلا- على المؤشرات، فلو افترضنا أن أحد طرفي العقد باع خيار شراء مؤشرات أسهم شركة معينة، ولما حان موعد التنفيذ ولتغير الأسعار لصالحه أقدم مشتري الخيار على تنفيذ خياره وممارسة حقه، فإن بائع الخيار ملزم بتسليم الأصل محل العقد وهو ما لا يقدر عليه إذا علمنا ضخامة أسهم تلك الشركة، فهنا لا مناص من التسوية على فرق السعر. - محل العقد ليس صالحا لأن يكون معقودا عليه، فهو مجرد إرادة ومشيئة، ( والمعقود عليه في عقد البيع لا بد أن يكون شيئا محسوسا معلوما وهذا غير متحقق في عقود الاختيارات فلا تعد بيعا صحيحا) و(اعتبار حق الاختيار من قبيل الحقوق المجردة التي يتحدث عنها الفقهاء غير سليم، لأن الحق المجرد الذي يتحدث عنه الفقهاء هو حق ثابت لصاحبه بوجه شرعي صحيح.. ويريد صاحبه أن يعتاض عنه، وحق الاختيار ليس من هذا القبيل لأنه ليس حقا ثابتا لأحد وإنما يريد أحد العاقدين أن ينشئه) . - أكل المال بالباطل، إن أخذ المال مقابل إعطاء حق الاختيار من أكل المال بالبطل، لأنه ليس بمال ولا متعلقا بمال، كما أن هذا الحق لا نفع فيه للمشتري إلا باستعماله وهو أمر يتوقف على تغير الأسعار في صالحه، فإذا لم تتغير الأسعار في صالحه لم يستعمله، وذهب عليه ما بذله من مال بلا مقابل فكان ذلك أكلا للمال بالباطل من هذا الوجه أيضا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها معللا ذلك بقوله:( أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه) فيقال هنا: أرأيت إن لم تتغير الأسعار في صالح المشتري – وهو أمر متوقع بل إن بائع الحق إنما باعه رجاء ذلك الأمر – فبم يأخذ مال أخيه بغير حق .؟ الحديث يطول، ولعل فيما تقدم كفاية، وقبل الختام لا بد من الإشارة إلى أن هناك من يرى جواز هذه العقود إما قياسا على بيع العربون، أو على خيار الشرط أو اعتمادا على أنها شكل من التأمين التجاري، أو أنها التزام أو ضمان أو كفالة يجوز كونها محلا لعقود المعاوضات، وتارة يقيسونها على البيع على الصفة وعلى عقد السلم.. ولقد تصدى الفريق الأول القائل بالتحريم وهو الجمهور لنقض تلك الأقيسة، والجواب عن الاعتراضات بما هو كفيل بتوضيح ضعف القول بالجواز، وعدم قدرته على الصمود في وجه أدلة وبراهين التحريم، ومناقشة ذلك محلها غير هذه الورقة .. الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، بعد توفيق الله ومنه وكرمه علي بإتمام هذه الورقة أضع بين يدي القارئ الكريم أهم ما جاء فيها: • مفهوم الهندسة المالية قديم قدم التعاملات المالية، لكن قد يبدو حديثا من حيث المصطلح والتخصص. • عرفت الهندسة المالية بتعاريف عديدة من أهمها أنها: تصميم وتطوير وتطبيق أدوات مالية، وتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشكلات الاقتصادية. • تعددت النظريات حول أسباب الابتكار المالي غير أن أجمعها " الحاجة أم الاختراع" والابتكار ليس كله فيه نفع، وليس كله ضرر، وإنما هو سلاح ذو حدين. • الهندسة المالية الإسلامية قديمة قدم الشريعة المطهرة، وأحسن تعريف لها أنها: مجموعة من الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة إضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل، وكل ذلك في إطار توجيهات الشرع الإسلامي. • يعد الاشتقاق المالي من أهم ما واجهت به المؤسسات المالية ما تتعرض له من مخاطر وخسائر، ولذا نشطت في مجال الابتكارات المالية. • من أبرز ما أفرزته الهندسة المالية ما يطلق عليه المشتقات، وهي عقود تشتق قيمتها من الأصول المعنية ( أي الأصول التي تمثل موضوع العقد ) وهذه الأصول تتنوع ما بين الأسهم والسندات والسلع والعملات الأجنبية. • يلجأ المستثمرون إلى استخدام المشتقات المالية إما للتحوط ضد المخاطر، وإما للمضاربة لزيادة محافظهم المالية. • من أهم عقود المشتقات المالية التي يجري التعامل بها اليوم في الأسواق المالية: العقود الآجلة وهي: مشتقة بسيطة أي أنها:( اتفاق على شراء أو بيع أصل في وقت مستقبلي معين مقابل سعر معين)، والعقود المستقبلية وهي: عقود نمطية، أي ذات مواصفات موحدة ثابتة بحيث يسهل تداولها في السوق المالية، وتأخذ صورة اتفاق بين طرفين على شراء أو بيع أصل معين في وقت معين في المستقبل، بسعر معين، ويتم تداولها في البورصات ( الأسواق المالية). وعقود الاختيارات وهي: عبارة عن اتفاقية تعاقدية يمنح بموجبها البائع ( مصدر الخيار) الحق وليس الالتزام للمشتري (المكتتب بالخيار) لبيع أو شراء عملة أو بضاعة أو أداة مالية بسعر محدد سلفا، في تاريخ مستقبلي محدد أو في أي وقت خلال الفترة المنتهية في ذلك التاريخ. • لا زال هناك جدل قائم حول المشتقات المالية، ومدى تحقيقها للأهداف المنشودة منها، حيث هناك الكثير من رجال القانون والاقتصاد في الغرب ينفرون من هذه العقود، ويحملونها مسؤلية كثير من الأزمات المالية. • الشريعة الإسلامية شجعت على الإبداع والابتكار والتطوير، وفتحت الباب أمام الباحثين ليبدعوا ويطوروا، لكنها وضعت لهم الضوابط والقيود التي يجب عليهم مراعاتها والتقيد بها. • الاشتقاق المالي يمكن أن تحكمه عدة مبادئ وضوابط من وجهة النظر الإسلامية ومن أهمها: مبدأ التوازن، والتكامل، والمناسبة، والحل. • لقد قرر معظم الفقهاء المسلمين أن أغلب المحرمات في باب المعاملات المالية يرجع إلى أمرين هما: الربا، والغرر، وعليه فكل معاملة اشتملت على شيء من هذين الأمرين فغير مقبولة شرعا، وتأسيسا على هذا فإن الابتكار المالي يجب أن يخلو من الربا والغرر وما يعود إليهما. • عقود المشتقات المالية التقليدية التي يجري التعامل بها اليوم في الأسواق المالية يشوبها كثير من المفسدات التي تجعلها غير مقبولة في الشريعة الإسلامية، كاشتمالها على الربا والغرر والقمار، وأكل المال بالباطل، وبيع الإنسان ما ليس عنده وما لا يملك، وتأجيل البدلين، والتعاقد على ما لا يصلح لأن يكون معقودا عليه... وغير ذلك من مبطلات العقود. • على الباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي أن يبذلوا جهودا في سبيل تطوير أدوات قديمة للتوافق مع متطلبات الزمان والمكان، أو يخترعوا عقودا جديدة تجمع بين الكفاءة الاقتصادية، والمصداقية الشرعية، وبذلك يؤمنوا للمؤسسات المالية الإسلامية أن تجد مكانتها اللائقة بها في ميدان التسابق المالي العالمي، ويثبت الاقتصاد الإسلامي جدارته وتأهله لريادة العالم الاقتصادي. هذا وإذ أختم بالحمد لله وحده والشكر له، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى، فإني وبكل أمانة أعترف بالتقصير، وأستغفر الله العلي العظيم من الزلل. المبارك محمد المصطفى السوقي الطارقي المصادر والمراجع: - ابن عابدين، تكملة حاشية الرد المحتار، المكتبة الشاملة الالكترونية. - أبو زهرة، محمد أبو زهرة، تحريم الربا تنظيم اقتصادي، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط 2 سنة 1405هـ 1985م - أبو غدة، عبد الستار، أوفوا بالعقود.. تعريف مبسط بأهم عقود المعاملات المالية، منهاج للاستشارات المالية الشرعية. بدون ذكر الطبعة والسنة. - آل سليمان، مبارك بن سليمان بن محمد، أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة، دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، ط1، سنة 1426هـ 2005م. - البراوري، شعبان محمد إسلام، بورصة الأوراق المالية من منظور إسلامي، دراسة تحليلية نقدية، دار المعاصر –بيروت- لبنان، ودار الفكر – دمشق – سورية، ط 1 سنة 1423هـ 2002م. - الجرجاني، التعريفات، المكتبة الشاملة الالكترونية. - حسين حامد حسان، فقه المصلحة وتطبيقاته المعاصرة، طبعة إلكترونية ممسوحة ضوئيا. - السالوس، علىي أحمد ، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، دار الثقافة ومؤسسة الريان للتوزيع والنشر - الدوحة- 1418هـ 1998م. - السالوس، علي أحمد ، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، دار القرآن رقم الطبعة: 7 تاريخ الطبعة:2002 - سامي بن إبراهيم السويلم، التحوط في التمويل الإسلامي، 1428هـ 2007م - سامي بن إبراهيم السويلم، صناعة الهندسة المالية... نظرات في المنهج الإسلامي، مركز البحوث، شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، بيت المشور للتدريب، الكويت، 1425هـ 2004م - شرح السنة للبغوي، كتاب إلكتروني. - صحيح البخاري. - صحيح مسلم. - صديقي، محمد نجاة الله، تدريس الاقتصاد الإسلامي... نقود وبنوك، ترجمة: فريد بشير طاهر، مراجعة: رفيق يوسن المصري، مركز النشر العلمي بجامعة الملك عبد العزيز – جدة- ط 1 سنة 1428هـ 2007م. - الضرير، الصديق محمد الأمين، الغرر وأثره في التطبيقات المعاصرة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ط 1 سنة 1414هـ 1993ه. - الضرير، الصديق محمد الأمين، الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، سلسة صالح كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي، الكتاب الثالث، ط 2 سنة 1416هـ 1995م - طارق عبد العال حماد، المشتقات المالية، سلسة البنوك التجارية ( قضايا معاصرة) الجزء الخامس، الدار الجامعية 2001. موقع طه سوفت www.tahasoft.com - عبد الكريم قندوز، الهندسة المالية الإسلامية، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز: الاقتصاد الإسلامي، م ٢٠ ع ٢: ٠٠٧ م/ ١٤٢٨ ه - فتح الرحمن علي محمد صالح، أدوات سوق النقد. مدخل للهندسة المالية الإسلامية، مجلة المصرفي، عدد ديسمبر 2002 www.bankofsudan.org - الفيروزآبادي، القاموس المحيط. - كمال توفيق حطاب، نحو سوق مالية إسلامية، طبعة تمهيدية. - مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة السابعة، العدد السابع 1412هـ 1992م. - محمد القدوري، ومحمد المختار ولد اباه، والشاهد البوشيخي، دليل المصطلحات الفقهية، منشورات الإيسسكو، 1421هـ 2000م، مطبعة المعارف الجديدة/ الرباط/ المملكة المغربية. - محمد رواس قلعه جي، وحامد صادق قنيبي، معجم لغة الفقهاء، عربي انجليزي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى : 1405 ه‍ - 1985 م الطبعة الثانية : 1408 ه‍ - 1988 م - محمد سلامة، نظرية العقد في الفقه الإسلامي من خلال عقد البيع، وزارة المعارف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية/ 1414ه، 1994م. - نشأت عبد العزيز، فن إدارة المخاطر، مجلة البورصة المصرية، جويلية 2002 العدد 269 - يوسف كمال، الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، ط 2، 1410هـ 1990م. • الموقع الالكترونية: - موقع دار الافتاء الأردنية: www.aliftaa.jo. - منتدى التمويل الإسلامي: www.islamin.go-forum.net - المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية: www.rhdiscussion.com - موقع طه سوفت www.tahasoft.com - موقع بنك السودان: www.bankofsudan.org

الأحد، 15 نوفمبر 2009

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. دعوة خاصة إلى كل مثقف يريد التواصل وتبادل المعارف ، وإلى كل مهتم بالثقافة والمعرفة ، وإلى كل حريص على نشر المعرفة والخبرات، ومساعدة إخوانه، إلى هؤلاء جميعا أبعث بهذه الرسالة رغبة في التواصل معي